محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

[ 78 ] { وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد 78 } .

{ وجاءه قومه يهرعون إليه } أي يسرعون كأنما يدفعون دفعا . وقرئ مبنيا للفاعل . { ومن قبل } أي قبل مجيئهم { كانوا يعملون السيئات } أي الفواحش ويكثرونها ، / فمرنوا عليها ، وقل عندهم استقباحها ، فلذلك جاءوا مسرعين مجاهرين ، لا يكفّهم حياء فالجملة معترضة لتأكيد ما قبلها . وقيل : إنها بيان لوجه ضيق صدره ، أي : لما عرف لوط عادتهم في عمل الفواحش قبل ذلك { قال } أي لوط { يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم } أراد أن يقي أضيافه ببناته ، وذلك غاية الكرم ، أي فتزوجوهن . أو كان ذلك مبالغة في تواضعه لهم ، وإظهارا لشدة امتعاضه ، مما أوردوا عليه ، طمعا في أن يستحيوا منه ، ويرقوا له إذا سمعوا ذلك ، فيتركوا ضيوفه هذا ملخص ما في ( الكشاف ) ومن تابعه وظاهر أنه ، عليه السلام ، كان واثقا بأن قومه لا يؤثروهن بوجه ما ، مهما أطرى وأطنب ، وشوّق ورغّب ، فكان إظهاره وقاية ضيفانه ، وفداءهم بهن ، مع وثوقه المذكور وجزمه مبالغة في الاعتناء بحمايتهم ، وقياما بالواجب في مثل هذا الخطب الفادح الفاضح ، الذي يدوم عاره وشناره ، من الدفاع عنهم بأقصى ما يمكن ، لكيلا ينسب إلى قصور . وليعلم أن لا غاية وراء هذا لمن لا ركن له من عشيرة أو قبيلة ، فلذلك غاية الغايات في حيطتهم ووقايتهم .

وفي قوله : { هن أطهر لكم } من التشويق ، على مرأى من ضيفانه ومسمع ، ما فيه من زيادة الكرم والإكرام ، ورعاية الذمام ، وبالجملة فهو ترغيب بمحال الوقوع باطنا ، وإعذار لنزلائه ظاهرا والله أعلم وفي هذا إرشاد إلى التطهر بالطرق المنسوبة ، وهي النكاح . وإشارة إلى تناهي وقاحة أولئك بما استأهلوا به أخذهم الآتي .

{ فاتقوا الله } أي أن تعصوه بما هو أشد من الزنى خبثا .

{ ولا تخزون في ضيفي } أي ولا تهينوني وتفضحوني في شأنهم ، فإنه إذا خزى ضيف الرجل أو جاره ، فقد خزى الرجل ، وذلك من عراقة الكرم ، وأصالة المروءة . و { تخزون } مجزوم بحذف النون ، والياء محذوفة اكتفاء بالكسرة . وقرئ بإثباتها على الأصل .

{ أليس منكم رجل رشيد } أي فيرعوي عن القبيح ، ويهتدي إلى الصواب .