قوله : { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ } " يُهْرَعُونَ " في محلِّ نصب على الحال . والعامَّةُ على " يُهْرَعُونَ " مبنياً للمفعول . وقرأ فرقة{[18907]} بفتح الياء مبنيّاً للفاعل من لغة " هَرَع " والإهراعُ : الإسْراعُ .
ويقالُ : هو المَشْيُ بين الهرولة والجمز .
وقال الهرويُّ : هَرَعَ وأهرع : استحث .
وقيل : " الإهراعُ : هو الإسْرَاع مع الرّعدة " .
قيل : هذا من باب ما جاء بصيغةِ الفاعلِ على لفظِ المفعولِ ، ولا يعرف له فاعل نحو : أولع فلان ، وأرْعِدَ زَيْدٌ ، وزُهي عمرٌو من الزهو .
وقيل : لا يجوزُ ورود الفاعل على لفظ المفعول ، وهذه الأفعالُ عرف فاعلوها . فتأويلُ أولع فلانٌ أي : أولعهُ حبُّه ، وأرْعدَ زيدٌ أي : أرعده غضبه ، وزُهي عَمْرٌو أي : جعله ما لهُ زاهياً ، وأهرع خوفه ، أو حرصه .
روي أنَّه لمَّا دخلت الملائكةُ دار لوط - عليه السلام - مضت امرأته فقالت لقومه : دخل دارنا قوم ما رأيت أحسن منهم وجوهاً ولا أطيب منهم رائحة ف " جَاءَهُ قَوْمُهُ " مسرعين { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات } أي : من قبل مجيئهم إلى لوطٍ كانوا يأتون الرِّجال في أدبارهم ، فقال لهم لوطٌ - عليه السلام - : حين قصدوا أضيافه فظنوا أنهم غلمان { يا قوم هؤلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يعني : بالتزويج .
قوله : { هؤلاء بَنَاتِي } جملةٌ برأسها ، و{ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } جملةٌ أخرى ، ويجُوزُ أن يكون " هؤلاءِ " مبتدأ ، و " بَنَاتِي " بدلٌ أو عطفُ بيان ، وهُنَّ مبتدأ ، و " أطْهَرُ " خبره ، والجملة خبر الأول . ويجوز أن يكون " هُنَّ " فصلاً ، و " أطْهَرُ " خبر : إمَّا ل " هَؤلاءِ " ، وإمَّا ل " بَنَاتِي " والجملةُ خبر الأوَّلِ .
وقرأ الحسنُ وزيدُ بنُ عليّ ، وسعيدُ بنُ جبير{[18908]} ، وعيسى بن عمر ، والسُّدي " أطْهَرَ " بالنَّصْب ، وخُرِّجَتْ على الحالِ ، فقيل : " هؤلاءِ " مبتدأ ، و " بَنَاتِي هُنَّ " جملة في محلِّ خبره ، و " أطْهَرَ " حال ، والعاملُ : إمَّا التَّنبيهُ وإمَّا الإشارةُ .
وقيل : " هُنَّ " فصلٌ بين الحالِ وصاحبها ، وجعل من ذلك قولهم : " أكثر أكْلِي التفاحة هي نضيجةً " ومنعه بعضُ النحويين ، وخرج الآية على أنَّ " لَكُم " خبر " هُنَّ " فلزمه على ذلك أن تتقدَّم الحالُ على عاملها المعنويِّ ، وخرَّج المثل المذكور على أنَّ " نَضِيجَةٌ " منصوبة ب " كَانَ " مضمرة .
قال قتادةُ - رحمه الله - : " المرادُ بناته لصلبه " ، وكان في ذلك الوقت تزويج المسلمة من الكافر جائزاً كما زوَّج النبي - صلوات الله البرّ الرحيم وسلامه عليه دائماً أبداً - ابنته من عُتْبة بن أبي لهبٍ ، وزوج ابنته الأخرى من أبي العاص بن الربيع قبل الوحي ، وكانا كافرين .
وقال الحسنُ بن الفضل : عرض بناته عليهم بشرط الإسلام{[18909]} .
وقال مجاهدٌ وسعيدُ بن جبير : أراد نساءهم ، وأضاف إلى نفسه ؛ لأنَّ كُلَّ نبيٍّ أبو أمته{[18910]} وفي قراءة أبي بن كعب " { النبي أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [ الأحزاب : 6 ] وهو أب لهم " وهذا القول أولى ؛ لأنَّ إقدام الإنسان على عرض بناته على الأوباش والفُجَّار أمر مستعبدٌ لا يليقُ بأهل المروءةِ ، فكيف بالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - ؟ وأيضاً فبناته من صلبه لا تكفي للجمع العظيم ، أمَّا بناتُ أمته ففيهن كفاية للكُلِّ ، وأيضاً : فلم يكن له إلاَّ بنتان ، وإطلاق البنات على البنتين لا يجوز ؛ لما ثبت أنَّ أقلَّ الجمع ثلاثة ؛ وقال بعضهم ذكر ذلك على سبيل الدفع لا على سبيل التحقيق .
فإن قيل : ظاهرُ قوله : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } يقتضي كون عملهم طاهراً ، ومعلوم أنَّهُ فاسدٌ ؛ ولأنه لا طهارة في نكاح الرَّجُل .
فالجوابُ : هذا جارٍ مجرى قولنا : الله أكبرُ ، والمرادُ : أنَّهُ كبيرٌ ، وكقوله : { أَذَلِكَ خَيْرٌ نُّزُلاً أَمْ شَجَرَةُ الزقوم } [ الصافات : 62 ] ولا خير فيها ، ولمَّا قال أبو سفيان يوم أحد اعْلُ هُبَلُ اعلُ هُبَلُ ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعلى وأجلُّ{[18911]} ولا مقاربة بين الله والصنم .
قوله : { وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } قرأ أبُو عمرو{[18912]} ونافع بإثبات ياء الإضافة في " تُخْزُونِ " على الأصل والباقون بحذفها للتخفيف ودلالة الكسر عليها .
والضَّيفُ في الأصل مصدرٌ كقولك : رجالٌ صومٌ ، ثم أطلق على الطَّارق لميلانه إلى المُضِيف ، ولذلك يقعُ على المفردِ والمذكر وضدِّيهما بلفظٍ واحدٍ ، وقد يثنى فيقال : ضيفان ، ويجمع فيقال : أضياف وضُيُوف كأبيات وبُيُوت وضيفان كحوض وحِيضان .
والضَّيف قائمٌ هنا مقام الأضياف ، كما قام الطفل مقام الأطفال في قوله : { أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ على عَوْرَاتِ النسآء } [ النور : 32 ] .
قال ابنُ عباسٍ : المرادُ : خافوا الله ، ولا تفضحوني في أضيافي{[18913]} ، يريد : أنَّهُم إذا هجمُوا على أضيافه بالمكروه لحقته الفضيحةُ .
وقيل : معناه لا تخجلوني فيهم ؛ لأنَّ مضيف الضَّيْفِ يلحقهُ الخجلُ من كُلِّ فعل قبيحٍ يتوجه إلى الضَّيف ، يقال : خزي الرجل إذا استحيا .
ثم قال : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } أي : صالح سديدٌ يقول الحق ، ويرد هؤلاء الأوباش عن أضيافي . وقال عكرمةُ : رجل يقول : لا إله إلاَّ الله{[18914]} .
وقال ابن إسحاق : رجل يأمُرُ بالمعروفِ ، وينهى عن المنكر{[18915]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.