فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَجَآءَهُۥ قَوۡمُهُۥ يُهۡرَعُونَ إِلَيۡهِ وَمِن قَبۡلُ كَانُواْ يَعۡمَلُونَ ٱلسَّيِّـَٔاتِۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ هَـٰٓؤُلَآءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطۡهَرُ لَكُمۡۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلَا تُخۡزُونِ فِي ضَيۡفِيٓۖ أَلَيۡسَ مِنكُمۡ رَجُلٞ رَّشِيدٞ} (78)

{ وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي : جاءوا لوطاً . الجملة في محل نصب على الحال . ومعنى يهرعون إليه : يسرعون إليه . قال الكسائي ، والفراء ، وغيرهما من أهل اللغة : لا يكون الإهراع إلا إسراعاً مع رعدة ، يقال : أهرع الرجل إهراعاً : أي أسرع في رعدة من برد أو غضب أو حمى ، قال مهلهل :

فجاؤوا يهرعون وهم أسارى *** نهودهم على رغم الأنوف

وقيل : يهرعون : يهرولون . وقيل : هو مشي بين الهرولة والعدو ، والمعنى : أن قوم لوط لما بلغهم مجيء الملائكة في تلك الصورة أسرعوا إليه ، كأنما يدفعون دفعاً لطلب الفاحشة من أضيافه { وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السيئات } أي : ومن قبل مجيء الرسل في هذا الوقت ، كانوا يعملون السيئات . وقيل : ومن قبل لوط كانوا يعملون السيئات ، أي : كانت عادتهم إتيان الرجال ، فلما جاءوا إلى لوط ، وقصدوا أضيافه لذلك العمل ، قام إليهم لوط مدافعاً { وَقَالَ يا قَوْم هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } أي : تزوّجوهنّ ، ودعوا ما تطلبونه من الفاحشة بأضيافي ، وقد كان له ثلاث بنات . وقيل : اثنتان ، وكانوا يطلبون منه أن يزوجهم بهنّ ، فيمتنع لخبثهم ، وكان لهم سيدان مطاعان ، فأراد أن يزوجهما بنتيه . وقيل : أراد بقوله : { هؤلاء بَنَاتِي } النساء جملة ، لأن نبيّ القوم أب لهم ، وقالت طائفة : إنما كان هذا القول منه على طريق المدافعة ، ولم يرد الحقيقة . ومعنى : { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } أي : أحلّ وأنزه .

والتطهر : التنزه عما لا يحلّ ، وليس في صيغة أطهر دلالة على التفضيل ، بل هي مثل «الله أكبر » . وقرأ الحسن ، وعيسى بن عمر بنصب أطهر ، وقرأ الباقون بالرفع ؛ ووجه النصب أن يكون اسم الإشارة مبتدأ ، وخبره بناتي ، وهنّ ضمير فصل ، وأطهر حال . وقد منع الخليل ، وسيبويه ، والأخفش مثل هذا ، لأن ضمير الفصل الذي يسمى عماداً إنما يكون بين كلامين بحيث لا يتمّ الكلام إلا بما بعدها ، نحو كان زيد هو أخاك { فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي } أي : اتقوا الله بترك ما تريدون من الفاحشة بهم ، ولا تذلوني وتجلبوا عليّ العار في ضيفي ، والضيف يطلق على الواحد والاثنين والجماعة ، لأنه في الأصل مصدر ، ومنه قول الشاعر :

لا تعدمي الدهر شفار الجازر *** للضيف والضيف أحق زائر

ويجوز فيه التثنية والجمع ، والأوّل : أكثر . يقال : خزي الرجل خزاية ، أي استحيا أو ذلّ أو هان ، وخزي خزياً : إذا افتضح ، ومعنى في ضيفي : في حق ضيفي ، فخزي الضيف : خزي للمضيف ، ثم وبخهم فقال : { أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُل رشِيد } يرشدكم إلى ترك هذا العمل القبيح ، ويمنعكم منه .

/خ83