نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

ولما كان المظهر لذلك كله الحياة ، قدمها فقال مثالاً آخر للمؤمنين ، ولذلك أعاد الفعل وهو فوق التمثيل بالأعمى والبصير ، لأن الأعمى يشارك البصير في بعض الإدراكات ، وصار للمؤمن والكافر مثالان ليفيد الأول نفي استواء الجنس بالجنس مع القبول للحكم على الأفراد ، والثاني بالعكس وهو للنفي في الأفراد مع القبول للجنس : { وما يستوي الأحياء } أي لأن منهم الناطق والأعجم ، والذكي والغبي ، والسهل والصعب ، فلا يكاد يتساوى حيان في جميع الخلال { ولا الأموات } أي الذين هم مثال للكافرين في صعوبة الموت وسهولته والبلى وغيره مما يخفى ولا يقر به الكفار من الشقاوة والسعادة .

ولما كان ما ذكر على هذا الوجه - من وضوح الدلالة على الفعل بالاختيار وعلى ضلال من أشرك به شيئاً لأنه لا يشابهه شيء - بمكان ليس معه خفاء ، ومن الإحكام بحيث لا يدانيه كلام يعجب السامع ممن يأباه ، فقال مزيلاً عجبه مقرراً أن الخشية والقسوة إنما هما بيده ، وأن الإنذار إنما هو لمن قضى بانتفاعه ، مسلياً لنبيه صلى الله عليه وسلم ، مؤكداً رداً على من يرى لغيره سبحانه فعلاً من خير أو شر : { إن الله } أي القادر على المفاوتة بين هذه الأشياء وعلى كل شيء بما له من الإحاطة بصفات الكمال ، وعبر بالفعل إشارة إلى القدرة على ذلك في كل وقت أراده سبحانه فقال : { يسمع من يشاء } أي فيهديه ولو لم يكن له قابلية في العادة كالجمادات ، ويصم ومن يشاء فيعميه وينكسه ويرديه من أحياء القلوب والأرواح ، وأموات المعاني والأشباح ، والمعنى أن إسماعهم لو كان مستنداً إلى الطبائع لاستووا إما بالإجابة أو الإعراض لأن نسبة الدعوة وإظهار المعجزة إليهم على حد سواء ، فالآية تقرير آية { إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب } .

ولما كان المعرض قد ساوى الميت في حاله التي هي عدم الانتفاع بما يرى ويسمع من الخوارق ، فكان كأنه ميت ، قال معبراً بالإسمية تنبيهاً على عدم إثبات ذلك له صلى الله عليه وسلم : { وما أنت } أي بنفسك من غير إقدار الله لك ، وأعرق في النفي فقال : { بمسمع } أي بوجه من الوجوه { من في القبور * } أي الحسية والمعنوية ، إسماعاً ينفعهم بل الله يسمعهم إن شاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، والآية دليل على البعث .

 
التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز [إخفاء]  
{وَمَا يَسۡتَوِي ٱلۡأَحۡيَآءُ وَلَا ٱلۡأَمۡوَٰتُۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُسۡمِعُ مَن يَشَآءُۖ وَمَآ أَنتَ بِمُسۡمِعٖ مَّن فِي ٱلۡقُبُورِ} (22)

قوله : { وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ } الأحياء مثلٌ للمؤمنين فقد أحيا الله بصائرهم بنور الإيمان ، وأرشدهم إلى ما فيه الهداية والسداد ، وألهمهم الخير والرشد والصواب . وأما الأموات فهم مثل للكافرين الخاسرين ؛ فإن قلوبهم كزَّة وغُلْف لا يفضي إليها الإيمان بما خُتم عليها . وهذان الصنفان من الأناسي لا يستويان . بل إنهما مختلفان اختلافا ظاهرا وكبيرا .

قوله : { إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ } الله يُسمع آياته وحججه وعباده الطيبين الذين علم أنهم مؤمنون ، فيهديهم لطاعته . قال الزمخشري في تأويل هذه الآية : يعني أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه . فيهدي الذي قد علم أن الهداية تنفع فيه ، ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه .

قوله : { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } الكافرون الخاسرون بمنزلة الموتى من أهل القبور في أنهم لا ينتفعون بما يسمعونه من الآيات و العظات . فهم خامدو هامدون رِمَم وكذلك الكفرة الجاحدون ؛ فإن قلوبهم قد طبع عليها ؛ فهي لا تعي ولا تستجيب ولا تريم{[3862]} .


[3862]:لا تريم أي لا تبرح. رام يريم؛ أي برح يبرح. انظر مختار الصحاح ص 266 وأساس البلاغة ص 264