نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَوۡ يَأۡخُذَهُمۡ عَلَىٰ تَخَوُّفٖ فَإِنَّ رَبَّكُمۡ لَرَءُوفٞ رَّحِيمٌ} (47)

فقال تعالى : { أو يأخذهم } أي الله أخذ غضب { على تخوف } منهم من العذاب وتحفظ من أن يقع بهم ما وقع بمن قبلهم من عذاب الاستئصال ، ويجوز أن يراد بما مضى عذاب الاستئصال ، وبهذا الأخذ شيئاً فشيئاً ، فإن التخوف التنقص عند هذيل ، روي أن عمر رضي الله عنه سأل الناس عنها فسكتوا فأجابه شيخ من هذيل بأنه التنقص ، فقال عمر رضي الله عنه : هل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم ! قال شاعرنا أبو كثير الهذلي يصف ناقة :

تخوف الرحل منها تامكاً قرداً *** كما تخوف عود النبعة السفن

فقال عمر رضي الله عنه : أيها الناس ! عليكم بديوانكم لا تضلوا ، قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية ، فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم .

ولما كان التقدير : لم يأمنوا ذلك في نفس الأمر ، ولكن جهلهم بالله - لطول أناته وحلمه - غرهم سبب عنه قوله التفاتاً إلى الخطاب استعطافاً : { فإن ربكم } أي المحسن إليكم بإهلاك من يريد وإبقاء من يريد { لرءوف } أي بليغ الرحمة لمن يتوسل إليه بنوع وسيلة ، وكذا لمن قاطعه أتم مقاطعة ، وإليه أشار بقوله تعالى : { رحيم * } أي فتسبب عن إمهاله لهم في كفرهم وطغيانهم مع القدرة عليهم العلم بأن تركه لمعاجلتهم ما هو إلا لرأفته ورحمته .