نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (52)

ولما كان أسلوب الغيبة من الحاضر دالاً على التردي بحجاب الكبر ، المؤذن بشدة البطش ، وسرعة الانتقام ، وبعد المقام ، رجع إليه فقال تعالى : { وله } فأعاد الضمير على الله الاسم العلم الجامع لجميع الأسماء الحسنى { ما في السَّماوات } .

ولما كان الأمر قد تأكد وتأطد ، وظهر المراد منه غاية الظهور ، لم يحتج إلى تأكيده بإعادة النافي ، فقال تعالى : { والأرض } أي مما تعبدونه وغيره ، فكيف يتصور أن يكون شيء من ذلك إلهاً وهو ملكه ، مع كونه محتاجاً إلى الزمان والمكان وغيرهما { وله الدين } أي الخضوع والتذلل من كل ما فيهما ومن فيهما بالطوع والكره ، بإنفاذ القضاء والقدر ، بالصحة والسقم ، والغنى والفقر ، والحياة والموت ، والإيجاد والإعدام ، والإذلال والإعزاز ، والإقبال والإعراض - كما بين آنفاً ، وله الدينونة بالمجازاة { واصباً } أي دائماً ثابتاً عاماً لا كالملوك الذين تنقطع ممالكهم مع خصوصها ، والمعبودات التي تنقطع عبادتها في وقت من الأوقات فتصير كاسدة بعد أن كانت رابحة وإن طال المدى ، مع خصوصها بناس دون غيرهم ، ولا يخلو يوم من الأيام لملك غيره ، من جري أمور على غير مراده ، وإن عظم سلطانه ، وعلا شأنه ، وكثرت أعوانه ، فكيف يتصور من له أدنى بصر أن يكون غيره إلهاً ، وقد تقدم في { إن ربي على صراط مستقيم }[ هود : 56 ] في هود ما ينفع استحضاره هنا .

ولما تقرر هذا الدليل على هذه الصفة ، وكان من مفهومات الدين الجزاء الناظر إلى الأفعال الواقية مما يضر ، تسبب عنه الإنكار الشديد على من يلتفت بشيء من أفعاله إلى غيره بعد علمه بأنه دائم لا يزول ، وأن كل ما سواه زائل ، فقال معبراً بالتقوى التي هي نتيجة الرهبة : { أفغير الله } أي الذي له العظمة كلها { تتقون * }