{ ووصى بها } أي بهذه المقالة أو الوصية أو الخصلة التي اصطفاه الله بها ، ولعله لم يذكر الضمير لئلا يوهم الرجوع إلى ربه ؛ وقرىء " وأوصى " فهو{[4996]} من إيصاء والوصية وهي التقدم في الشيء النافع المحمود عاقبته ، {[4997]}وقراءة التشديد أبلغ لدلالتها على التكرر والتكثر{[4998]} { إبراهيم بنيه ويعقوب } وصّى بها أيضاً بنيه فقال كل منهم : { يا بنيّ إن الله } بعظمته وكماله { اصطفى لكم الدين } وهو الإسلام ، فأغناكم{[4999]} عن تطلبه وإجالة الفكر فيه رحمة منه لكم { فلا } أي فتسبب عن ذلك أني أقول لكم : لا { تموتن } على حالة من الحالات { إلا وأنتم } أي والحال أنكم { مسلمون } أي ملقون بأيديكم وجميع ما ينسب إليكم لله لا حظ لكم في شيء أصلاً ولا التفات إلى غير مولاكم ، فإن من كمل افتقاره إلى الغني الحكيم أغناه بحسب ذلك . وقرر سبحانه بالآيات الآتية بطلان ما عليه المتعنتون من اليهودية والنصرانية ، وبرّأ خليله والأنبياء من ذلك على وجه أوجب القطع بأنهم عالمون ببطلانه .
ذكر قصة إبراهيم عليه السلام من التوراة : ذكر في السفر الأول منها أنه إبراهيم{[5000]} بن{[5001]} تارح بن ناحور{[5002]} بن شارغ{[5003]} بن {[5004]}آرغو{[5005]} بن فالغ{[5006]} بن عابر{[5007]} بن شالخ{[5008]} بن أرفخشد{[5009]} بن سام بن نوح ؛ لأنه قال في التوراة : لما أتت على سام مائة سنة ولد له أرفخشد{[5010]} فأتت عليه خمس{[5011]} وثلاثون سنة فولد له شالاح{[5012]} وسماه في موضع آخر شالح{[5013]} ، فأتت عليه ثلاثون سنة فولد له عابر{[5014]} فأتت عليه أربع وثلاثون سنة فولد له فالغ ، فأتت عليه ثلاثون سنة فولد له آرغُو{[5015]} ، فأتت عليه اثنتان{[5016]} وثلاثون سنة فولد له شارغ{[5017]} فأتت عليه ثلاثون سنة فولد له ناحور{[5018]} ، فأتت عليه تسع وعشرون سنة فولد له تارَح فأتت عليه{[5019]} خمس وسبعون سنة {[5020]}فولد له{[5021]} إبرم وناحور و{[5022]}هاران . وخالفه في الإنجيل بعض المخالفة فقال في إنجيل لوقا : ناحور{[5023]} بن شارغ{[5024]} بن أرغو{[5025]} بن فالغ{[5026]} بن عابر بن{[5027]} صالا بن قينان{[5028]} بن أرفخشد{[5029]} بن سام بن نوح ؛ ونوح على ما قال في التوراة ابن لمك{[5030]} بن متوشلح{[5031]} بن خَنُوخ{[5032]} بن يارذ{[5033]} {[5034]}بن هليل{[5035]} بن قينان{[5036]} بن أنوش{[5037]} بن شيث{[5038]} بن آدم عليه السلام .
وهكذا{[5039]} قال في أثناء{[5040]} إنجيل لوقا إلا أنه قال في لمك : لامك ، وفي{[5041]} يارذ : يرذ بن مهلالاييل{[5042]} . ثم قال في التوراة : وولد هاران لوطاً ، ومات هاران في حياة أبيه تارح في الأرض التي ولد فيها وهي أور{[5043]} الكلدانيين{[5044]} - وفي نسخة{[5045]} : الكزدانيين - " {[5046]}فتزوج إبرم سُرّى وكانت عاقراً{[5047]} فلم يولد لها ولد ، فانطلق تارح بابنه إبرم وبلوط ابن ابنه هاران وبكَنّته سرى{[5048]} من أور الكلدانيين متيمماً أرض كنعان ، فانتهوا إلى حرّان فسكنوها ، فتوفي تارح بحرّان عن مائتي سنة وخمس سنين ؛ وقال الرب لإبرم : اخرج من أرضك من حيث ولدت ومن آل{[5049]} أبيك إلى الأرض التي أريك فأجعلك{[5050]} لشعب عظيم وأباركك وأعظم اسمك وكن مباركاً وأبارك بنيك وألعن لاعنيك ويتبارك بك جميع قبائل الأرض وبزرعك ، فصنع إبرم كما أمره الرب وانطلق معه لوط ابن أخيه وسرى زوجته وكان إذ ذاك ابن خمس وسبعين سنة ومعهم جميع مواشيهم وما اتخذوا بحرّان من ولدان وخدم ، فخرجوا يريدون أرض كنعان فأتوها ، فجاء إبرم حتى{[5051]} أتى بلاد سُحام وإلى بَلُّوط مُمرى وكان الكنعانيون بعد سكاناً في الأرض فاعتلن الرب لإبرم وقال له : إني معطٍ ذريتك هذه الأرض ، وبنى إبرم هنالك مذبحاً للرب إذ ظهر له وانتقل من هنالك إلى الجبل من المشرق إلى بيت إيل{[5052]} ، فنصب خيمته في بيت إيل من غربها قبالة البحر وعاي{[5053]} من شرقها ، وبنى ثم للرب مذبحاً ودعا باسم الرب ، ثم ظعن منطلقاً وكان مظعنه إلى مهب{[5054]} الجنوب وكان جوع في الأرض ، فهبط إبرم إلى مصر ليسكنها لأن الجوع اشتد في الأرض ، فلما دنا من مصر قال لسرى امرأته : إني عالم أنك امرأة حسناء ، فإن رآك المصريون يقولون : امرأته ، فيقتلونني ؛ قولي : إني أخته - فذكر قصة أخذ فرعون مصر لها والقوارع التي أصابته فحالت بينه وبينها فخلى سبيلها وأحسن إليها وإلى إبراهيم - إلى أن قال : فخرج إبرم من مصر هو وامرأته ولوط معه إلى أرض{[5055]} التيمن - وفي نسخة : إلى القبلة - وهي{[5056]} جهة الجنوب فاستغنى إبرم جداً ، فظعن{[5057]} لمظعنه{[5058]} من الجنوب حتى أتى بيت إيل إلى الموضع الذي كان نصب فيه خيمته من قبل ولوط معه كان له غنم وبقر وخير كثير جداً وأخبية ، ولم تكن تلك الأرض تسعهما كليهما{[5059]} لأن مواشيهما كثرت جداً ؛ فذكر أن لوطاً رفع بصره فنظر إلى أرض الأردن فإذا هي كلها أرض سقي وشرب مثل فردوس الله ومثل أرض مصر التي في مدخل صاغار - وفي نسخة : زغر{[5060]} فاختار لوط أرض الأردن ؛ فسكن إبرم أرض كنعان ، وسكن لوط قرى عاجار وورث - وفي نسخة : قرى المرج - وخيّم إلى سدوم وكان أهل سدوم أشراراً خطأة جداً ، فقال الرب لإبرم بعدما اعتزله لوط : مد بصرك فانظر من المكان الذي أنت فيه إلى الجرنيا{[5061]} والتيمن - وفي نسخة : إلى الشمال والجنوب والمشرق والمغرب - لأن جميع الأرض التي ترى إياك أعطيها وذريتك من بعدك إلى الأبد ، واجعل ذريتك مثل ثرى الأرض ، فإن قدرت أن تحصي تراب الأرض فإن زرعك يحصى{[5062]} ، فأتى إبرم فسكن بين بلوط - وفي نسخة : في مرج ممرى الأموراني التي بحبرون{[5063]} - وبنى هنالك مذبحاً للرب ، وكان على عهد أمرقال{[5064]} ملك شنعار - وفي نسخة : شنوار - وأرنوخ ملك ذي{[5065]} اللاشار{[5066]} - وفي نسخة : الخزر - وكدر لعمر{[5067]} ، ملك عيلم{[5068]} - وفي نسخة : خوزستان وترغيل ملك جيلان{[5069]} - وفي نسخة : الأمم - اجتمع هؤلاء في قاع السدوميين وهو البحر المالح فقتلوا الجبابرة الذين في العشرة القرى والأبطال الذين{[5070]} بها والحورانيين الذين في جبال ساعير - وفي نسخة : شراة - إلى بطمة فاران{[5071]} التي في البرية ، ورجعوا وأتوا عين الدنيا{[5072]} - وفي نسخة : الحكم{[5073]} - وهي رقيم وقتلوا كل رؤساء العمالقة والأمورانيين سكان عين جاد ، وخرج بارع ملك سدوم وبَرْشع{[5074]} ملك عامرا وشنآب ملك أدوما{[5075]} وشاليم ملك صَبويم وملك بالاع{[5076]} التي هي صاغر - وفي نسخة : زغر{[5077]} - خمسة ملوك{[5078]} ، قاتلوا الأربعة بقاع السدوميين ، فهرب ملك سدوم وملك عامرا فوقعوا هناك ، وهرب البقية إلى الجبل فاستباحوا جميع مواشي سدوم وعامُرا وجميع طعامهم واستاقوا{[5079]} لوطاً ابن أخي إبرم{[5080]} وماشيته وانطلقوا ، فأتى من نجا منهم وأخبر إبرم العبراني ، فعبى فتيانه ومولّديه ثلاثمائة وثمانية عشر رجلاً وسار في طلبهم إلى داريا - وفي نسخة : بانياس - فأحاط بهم ليلاً ، فقاتلهم وهزمهم إلى الجوف - وفي نسخة : المزة{[5081]} - التي عن شمال دمشق وهي قرية يقال لها حلبون{[5082]} ورد لوطاً ابن أخيه{[5083]} وماشيته وجميع المواشي والنساء والشعب ، فخرج ملك سدوم فتلقاه فرد إليه جميع ما سلب منه ؛ ومن بعد هذا حلّ وحي{[5084]} الله على إبرم في الرؤيا وقال له : يا إبرم ! أنا أكانفك وأساعدك ، لأن ثوابك قد جزل جداً ، فقال إبرم : اللهم ! رب ما الذي تنحلني وأنا خارج من الدنيا بلا نسب ويرثني اليعازر{[5085]} غلامي الدمشقي ؟ فقال له الرب : لا يرثك هذا بل ابنك الذي يخرج من صلبك فهو يرثك ، و{[5086]}قال له{[5087]} : انظر إلى السماء واحص النجوم إن كنت تقدر أن تحصيها{[5088]} ، ثم قال له : كذلك تكون ذريتك ، فآمن إبرم بالله{[5089]} ، وقال له الرب : أنا الرب{[5090]} إلهك الذي أخرجك{[5091]} من أور الكلدانيين - وفي نسخة : أتون الكزدانيين - لأعطينك{[5092]} هذه الأرض لترثها ، فلما كان غروب الشمس وقع الصمت على إبرم وغشيه خوف وظلمة عظيمة فقال الرب لإبرم : اعلم علماً يقيناً أن نسلك سيسكنون{[5093]} في أرض ليست لهم ، فيتعبدونهم ويكدونهم أربعمائة سنة ، والشعب الذين يتعبدونهم فإني أدينهم ويخرجون من هناك بعد ذلك بمال عظيم ، وأنت تنتقل إلى آبائك بسلام وتدفن{[5094]} بشيخوخة{[5095]} خير وصلاح ، والحقب الرابع يرجعون إلى ههنا ، لأن إثم{[5096]} الأمورانيين لم يكمل بعد ، فلما غربت الشمس صار دجى وحندسة وإذا بتنور يدخن ومصباح نار يلتهب ويتردد بين تلك الأنصبة ، وفي ذلك اليوم عاهد الرب إبرم عهداً وقال : إني معط ذريتك هذه الأرض من نهر مصر وإلى الفرات النهر الأعظم ، وإن سُرّى امرأة إبر لم تكن تلد وكانت لها أمة مصرية اسمها هاجر فقالت سُرّى لإبرم وهما بأرض كنعان : إن الرب قد حرمني الولد فإدخل{[5097]} على أمتي وابن بها لعلي أتعزى{[5098]} بولد منها ، تسمّع{[5099]} إبرم قول سرى وأطاعها ، وذلك بعدما سكن أرض كنعان عشر سنين ، فحبلت فقالت سرى لإبرم : أنت صاحب ظلامتي ، أنا وضعت أمتي في حضنك{[5100]} ، فلما حبلت هنت عليها بحكم الرب بيني وبينك ، فقال : هذه أمتك مسلمة إليك .
اصنعي بها ما أحببت ، فأهانتها سرى{[5101]} سيدتها فهربت منها ، فلقيها ملاك الرب على عين ماء في البرية في طريق سور - وفي رواية{[5102]} : في طريق حذر{[5103]} ، وفي نسخة : على العين التي بطريق الجفار - فقال لها : يا هاجر أمة سرى ! ارجعي إلى سيدتك واستكدّي تحت يدها ، ثم قال لها ملاك الله : لأكثرن نسلك حتى لا يحصى ، ثم قال لها : ها أنت حامل - وفي نسخة : إنك حبلى - وستلدين ابناً وتدعين اسمه إسماعيل ، لأن الرب قد عرف لك خضوعك ، ويكون ابنك هذا رجلاً يأوي البرية ويده في جميع الناس - وفي نسخة : وحشى الناس - يده على كل ويد كل به ، وسيحل على جميع حدود إخوته ، فدعت اسم الرب الذي كلمها فقالت : أنت الله ذو الوحي والرؤيا ، وذلك لأنها قالت : إني رأيت رؤيا ، ولذلك دعت تلك الطوى بئر الحي وهي بئر رقيم وحذر{[5104]} - وفي نسخة : فيما بين قادس وبارد{[5105]} - ثم ولدت هاجر لإبرم ابناً فدعا إبرم اسمه إسماعيل ، وكان إبرم ابن ست وثمانين سنة إذ{[5106]} ولدت هاجر له إسماعيل ، فلما أتى على إبرم تسع وتسعون سنة اعتلن له الرب وقال له : أنا الله إله المواعيد ، أرضني تكن غير ذي{[5107]} عيب وأثبت عهدي بيني وبينك - وفي رواية : فأحسن أمامي ولا تكن ملوماً فإني جاعل بيني وبينك ميثاقاً ، وأكثرك جداً جداً ، فخر إبراهيم على وجهه فكلمه{[5108]} الله وقال له : أنا{[5109]} أثبت لك عهدي - وفي نسخة : فأوحى الله إليه قائلاً له : إني قد جعلت ميثاقي معك - وتكون{[5110]} أباً لشعوب كثيرة ، و{[5111]}لا يدعى اسمك فيما بعد إبرم بل يكون اسمك إبراهيم ، لأني جعلتك أباً لشعوب كثيرة{[5112]} ، وأنميك وأثريك جداً جداً ، وأجعلك للشعوب رئيساً ، والملوك من صلبك يخرجون ، وأثبت العهد - وفي نسخة : وأفي بميثاقي{[5113]} - بيني وبينك وبين نسلك من بعدك عهداً دائماً ، وأكون لك إلهاً ولزرعك من بعدك ، وأعطيك وذريتك من بعدك أرض سكناك وجميع أرض كنعان ميراثاً إلى الأبد وأكون لهم إلهاً ، وقال الله لإبراهيم : احفظ عهدي أنت وزرعك من بعدك لأحقابهم ، هذا عهدي الذي آمركم به لتحفظوه ليكون بيني وبين نسلك من بعدك أن تختنوا{[5114]} كل ذكر وتختنوا{[5115]} لحم غُرلكم ويكون علامة العهد بيني وبينكم ، وليختن كل ذكر منكم ابن ثمانية أيام لأحقابكم ولاد البيت والمبتاع بالمال .
وكل من كان من أبناء الغرباء{[5116]} الذين ليسوا من زرعك فليختتن اختتان المولود في بيتك والمبتاع بمالك ، ويكون عهدي ميسماً في أجسادكم عهداً دائماً إلى الأبد ؛ وكل ذكر ذي غرلة{[5117]} لا تختن غرلته{[5118]} في اليوم الثامن فلتهلك تلك النفس من شعبها ، لأنها أبطلت عهدي . وقال الله لإبراهيم : سرى صاحبتك ، لا تدع اسمها سرى لأن اسمها سارة وأبارك فيها ، وأعطيك منها ابناً وأباركه ، ويكون رئيساً لشعوب كثيرة وملوك الشعوب من نسله يخرجون ؛ فخر إبراهيم على وجهه ضاحكاً وقال في قلبه - وفي رواية متعجباً يقول في نفسه - وهل يولد لابن مائة سنة ابن وسارة تلد وقد أتى عليها تسعون سنة ! وقال إبراهيم{[5119]} لله : يا ليت إسماعيل يحيى بين يديك ! وقال الله لإبراهيم : حقاً - وفي نسخة : نعم - إن سارة صاحبتك ستلد ابناً وتسميه إسحاق ، وأثبت العهد بيني وبينه إلى الأبد ولذريته من بعده ، وقد استجبت لك في إسماعيل فباركته وكثرته وأنميته جداً جداً ، ويولد له اثنا عشر عظيماً ، وأجعله رئيساً لشعب عظيم ؛ وأثبت عهدي لإسحاق الذي تلد لك سارة في هذا الحين{[5120]} من قابل . فلما فرغ من كلامه ارتفع استعلان الرب عن إبراهيم ، فانطلق إبراهيم بإسماعيل ابنه وجميع أولاد بيته والمبتاعين بما له كل ذكر من بيت إبراهيم فختن غرلهم في ذلك اليوم كما أمره الله ، وكان قد أتى على إبراهيم تسع{[5121]} وتسعون سنة إذ ختن غرلته وكان قد أتى إسماعيل ابنه إذ اختتن ثلاث عشرة سنة ، وختن أيضاً معه أبناء الغرباء المشايعين ثم أكمل البشارة بإسحاق ، كما سيأتي في سورة هود إن شاء الله تعالى - إلى أن قال : وذكر الرب سارة كما قال : وصنع{[5122]} الله تبارك وتعالى بسارة كما وعد ، فحبلت وولدت لإبراهيم ابناً على كبره في الوقت الذي{[5123]} وعد الله ، فسمى إبراهيم ابنه من سارة إسحاق ، فختن إبراهيم إسحاق ابنه في اليوم الثامن كما أمره الرب ، وكان إبراهيم ابن مائة سنة ، فقالت سارة : لقد أنعم الله عليّ وفرحني فرحاً عظيماً ، فمن سمع فليفرح لي ، وقالت : من كان يقول لإبراهيم : إن سارة ترضع غلاماً وتلد ابناً بعد الكبر ؛ فشب الغلام وفطم{[5124]} وصنع إبراهيم يوم فطم مأدبة عظيمة - ثم أعاد ذكر أمر سارة بإخراج هاجر وإبعادها وأن هذا شق على إبراهيم جداً وقال : فقال الله لإبراهيم : لا يشقن عليك حال الصبي وأمتك ، فغدا إبراهيم باكراً وأخذ{[5125]} خبزاً{[5126]} وإداوة من ماء فأعطاها هاجر وحملها والصبي والطعام فانطلقت وتاهت في برية بئر سبع - وفي نسخة بئر الحلف ، لأن إبراهيم حالف صاحب تلك الأرض عندها - ونفد{[5127]} الماء من الإداوة فألقت الصبي تحت شجرة من الشيح{[5128]} وانطلقت وجلست قبالته وتباعدت عنه كرمية بسهم كيلا تعاين موته ، فلما صرخ الغلام وبكى سمع الرب صوته فدعا ملاك الرب هاجر من السماء وقال لها : ما لك يا هاجر ؟ لا تخافي ، لأن الرب قد سمع صوت الصبي حيث هو ، قومي فاحملي الصبي وشدي به يديك ، لأني أجعله رئيساً لشعب عظيم ، فجلى الله عن بصرها فرأت بئر ماء ، فانطلقت فملأت الإداوة وسقت الغلام{[5129]} ، وكان الله مع الغلام فشب وسكن برية فاران وكان يتعلم الرمي في تلك البرية وزوجته أمه امرأة - انتهى
وفيه إن هذا الكلام في إخراج هاجر وولدها ظاهره مناقض لما تقدم في ختان إسماعيل عليه السلام ، فإن فيه أنه كان ابن ثلاث عشرة سنة ، وهذا ظاهره أنه كان رضيعاً ، وفي الحديث الصحيح " أنه وضعه عند البيت وهو يرضع " ويمكن حمل هذا عليه بهذا الكلام الأخير . وأما الأول فلم يقل فيه إنه كان عند الختان ببيت المقدس ، فيمكن أن إبراهيم عليه السلام طوى له الله الأرض بالبراق أو غيره فذهب إلى مكة المشرفة فختنه ثم رجع . وفيه بشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أصرح مما ذكروه وهي قوله : ويتبارك بك جميع قبائل الأرض ، لأن ذلك لم يحصل بأحد من أولاد إبراهيم{[5130]} عليه السلام إلا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أثبت البركة به صلى الله عليه وسلم والخير في غالب قبائل الأرض ، ويكون الباقي بعد نزول عيسى عليه السلام . وكذا قوله : ويده في جميع الناس - إلى آخره ، لأن إسماعيل عليه السلام لم ينقل أحد أن يده كانت على جميع الناس ، ولا حل على جميع حدود إخوته ، ولا اتصف من أولاده أحد بهذا الوصف إلا النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ثم رأيت في شرح المقاصد للشيخ سعد الدين التفتازاني وشرح الصحائف للإمام السمرقندي التنبيه على هذا النص .