السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (132)

{ وصى بها } أي : بالملة المتقدّم ذكرها أو بأسلمت على تأويل الكلمة أو الجملة وقيل : بكلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله ، وقرأ نافع وابن عامر وأوصى بسكون الواو الثانية وهمزة مفتوحة بين الواوين ، والباقون بواوين مفتوحتين ولا همزة بينهما وهذا أبلغ قال الزجاج : لأنّ أوصى يصدق بالمرة الواحدة ، ووصى لا يكون إلا لمرّات كثيرة ، وأمال ورش بينَ بينْ ، وحمزة والكسائي محضة ، والباقون بالفتح .

وقوله تعالى : { إبراهيم بنيه } قال مقاتل : وهم أربعة : إسماعيل وإسحق ومدين ومدان ، وقد ذكر غير مقاتل أنهم ثمانية وقيل : أربعة عشر { و } وصى بها أيضاً { يعقوب } بنيه وهم اثنا عشر : روبيل وشمعون ولاوا ويهوذا ويشنيوخور وزبويلون وودّان ويفتوني وكودا وأوشير وبنيامين ويوسف وسمي بذلك ؛ لأنه والعيص كانا توءمين فتقدّم عيص في الخروج من بطن أمّه وخرج يعقوب عقبه ، وقوله تعالى : { يا بنيّ } على إضمار القول عند البصريين متعلق بوصّى عند الكوفيين { إنّ الله اصطفى لكم الدين } أي : دين الإسلام الذي هو صفوة الأديان لقوله تعالى : { فلا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون } نهى عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادقة الموت ، وعن الفضيل بن عياض أنه قال : إلا وأنتم مسلمون أي : محسنون بربكم الظن لما روى جابر رضي الله عنه أنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : ( لا يموتنّ أحد إلا وهو يحسن الظن بربه ) .

ولما قالت اليهود للنبيّ صلى الله عليه وسلم ألست تعلم أنّ يعقوب يوم مات أوصى بنيه باليهودية نزل .