إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (132)

{ ووصى بِهَا إبراهيم بَنِيهِ } شروعٌ في بيان تكميلِه عليه السلام لغيره إثرَ بيانِ كماله في نفسه وفيه توكيدٌ لوجوب الرغبة في مِلته عليه السلام ، والتوصيةُ التقدمُ إلى الغير بما فيه خيرٌ وصلاح للمسلمين من فعلٍ أو قولٍ ، وأصلُها الوَصْلة يقال : وصّاه إذا وصَله وفصّاه إذا فَصَله كأن الموصِيَ يصِلُ فعلُه بفعل الوصيّ ، والضمير في بها للمِلّة أو قولِه أسلمتُ لرب العالمين بتأويل الكلمة كما عبر بها عن قوله تعالى : { إِنَّنِي بَرَاء ممَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الذي فَطَرَنِي } [ الزخرف ، الآية 25 ، 26 ] في قوله عز وجل : { وَجَعَلَهَا كَلِمَةً باقية فِي عَقِبِهِ } [ الزخرف ، الآية 28 ] وقرئ أوصى والأول أبلغُ { وَيَعْقُوبُ } عطفٌ على إبراهيمُ أي وصَّى بها هو أيضاً بنيه وقرئ بالنصب عطفاً على بنيه { أَوْ بَنِي } على إضمار القولِ عند البصريين ومتعلق بوصَّى عند الكوفيين لأنه في معنى القول كما في قوله : [ الرجز ]

رَجْلانِ من ضَبَّةَ أخبرانا *** إنا رأَيْنا رَجُلاً عُريانا{[77]}

فهو عند الأولين بتقدير القول وعند الآخرين متعلق بالإخبار الذي هو في معنى القول وقرئ أن يا بني ، وبنو إبراهيمَ عليه السلام كانوا أربعةً : إسماعيلُ وإسحاقُ ومدينُ ومدان وقيل : ثمانيةٌ وقيل : أربعةً وعشرين وكان بنو يعقوبَ اثني عشرَ : روبين وشمعون ولاوي ويهوذا ويشسوخور وزبولون وزوانا وتفتونا وكوذا وأوشير وبنيامين ويوسف عليه السلام { إِنَّ الله اصطفى لَكُمُ الدين } دين الإسلام الذي هو صفوةُ الأديان ولا دينَ غيرُه عنده تعالى : { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مسْلِمُونَ } ظاهرُه النهيُ عن الموت على خلاف حال الإسلام والمقصودُ الأمرُ بالثبات على الإسلام إلى حين الموتِ أي فاثبُتوا عليه ولا تفارقوه أبداً كقولك : لا تصلِّ إلا وأنت خاشِعٌ ، وتغييرُ العبارة للدلالة على أن موتهم لا على الإسلام موتٌ لا خيرَ فيه وأن حقه أن لا يِحلَّ بهم وأنه يجب أن يحذَروه غايةَ الحذَر ، ونظيرُه مُتْ وأنت شهيدٌ رُوي أن اليهودَ قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ألستَ تعلم أن يعقوبَ أوصى باليهودية يوم مات ؟ فنزلت { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الموت }


[77]:وهو بلا نسبة في خزانة الأدب 9/183 وشرح شواهد المغني 2/833 وفي مغني اللبيب 2/413.