فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبۡرَٰهِـۧمُ بَنِيهِ وَيَعۡقُوبُ يَٰبَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ} (132)

{ ووصى بها إبراهيم بنيه } الضمير في { بها } راجع إلى الملة الحنفية أو إلى الكلمة أي أسلمت لرب العالمين ، قال القرطبي : وهو أصوب لأنه أقرب مذكور أي قولوا أسلمنا انتهى ، والأول أرجح لأن المطلوب ممن بعده هو اتباع ملته لا مجرد التكلم بكلمة الإسلام ، فالتوصية بذلك أليق بإبراهيم وأولى بهم ، قيل كانوا ثمانية منهم إسماعيل وهو أول أولاده وقيل أربعة عشر { ويعقوب } معطوف على إبراهيم أي وأوصى يعقوب بنيه كما أوصى إبراهيم بنيه ، وكانوا اثني عشر ، وقرئ بنصب فيكون داخلا فيما أوصاه إبراهيم ، قال القشيري : وهو بعيد لأن يعقوب لم يدرك جده إبراهيم وإنما ولد بعد موته .

{ يا بني } قيل أنه من مقول إبراهيم وقيل من مقول يعقوب

{ إن الله اصطفى لكم الدين } المراد بالدين ملته التي لا يرغب عنها إلا من سفه نفسه وهي الملة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي قوله : { فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } إيجاز بليغ ، والراد إلزموا الإسلام ولا تفارقوه حتى تموتوا ، وهذا استثناء مفرغ من أعم الأحوال أي لا تموتوا على حالة غير حالة الإسلام ، وليس فيه نهي عن الموت الذي هو قهري ، ولهذا قال السيوطي : نهى عن ترك الإسلام وأمر بالثبات عليه إلى مصادفة الموت ، انتهى . والمعنى أن موتهم لا على حال الثبات على الإسلام موت لا خير فيه ، وإن حق هذا الموت أن لا يحصل فيهم ، عن فضيل ابن عياض قال : { مسلمون } أي محسنون بربكم الظن ، ويدل عليه ما روي عن جابر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول : " لا يموتن أحد إلا وهو يحسن الظن بربه " . أخرجاه في الصحيحين{[133]} .


[133]:قال البغوي: في تفسيره-188: والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت، وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام معناه: داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون وعن الفضيل ابن عياض رحمه الله: أنق قال: إلا وأنتم مسلمون، أي: محسنون بربكم الظن، أخبرنا عبد الواحد ابن أحمد المليحي أنا أبو محمد عبد الرحمان ابن أبي شريح، أنا أبو القاسم عبد الله ابن محمد ابن عبد العزيز البغوي، أنا علي ابن الجعد أنا أبو جعفر الرازي عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل موته بثلاثة أيام يقول: {لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز وجل}.