نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِذۡ تَبَرَّأَ ٱلَّذِينَ ٱتُّبِعُواْ مِنَ ٱلَّذِينَ ٱتَّبَعُواْ وَرَأَوُاْ ٱلۡعَذَابَ وَتَقَطَّعَتۡ بِهِمُ ٱلۡأَسۡبَابُ} (166)

ثم{[6335]} أبدل من { إذ يرون } قوله : { إذ تبرأ } وهو من التبرؤ{[6336]} الذي هو طلب البراءة وإيقاعها بجد واجتهاد ، وهي{[6337]} إظهار التخلص من وصلة أو اشتباك{[6338]} { الذين اتُّبعوا } {[6339]}أي مع{[6340]} اتباع غيرهم لهم ، وهم الرؤساء { من الذين اتَّبعوا } مع نفعهم{[6341]} لهم في الدنيا بالاتباع لهم والذب عنهم .

وقال الحرالي : قال ذلك إظهاراً لإفصاح{[6342]} ما أفهمه مضمون الخطاب الأول لتتسق الآيات بعضها ببعض ، فتظهر الآية ما في ضمن سابقتها ، وتجمع الآية ما في تفصيل لاحقتها{[6343]} وإعلاءً{[6344]} للخطاب بما هو{[6345]} المعقول علمه المتقدم{[6346]} إلى ما في الإيمان نبأه{[6347]} ليتم نور العقل الذي{[6348]} وقع به الاعتبار بنور الإيمان الذي يقع به القبول لما في الآخرة عيانه ، فمن عقل عبرة الكون الظاهر استحق إسماع نبأ الغيب الآتي{[6349]} ؛ ثم قال : بذا يتبرأ المتبوع في الذكر لأنه الآخر في الكون ، فكأنه في المعنى : إنما تعلق التابع بالمتبوع ليعيذه{[6350]} في الآخرة كما كان عهد منه أن يعيذه{[6351]} في الدنيا فيتبرأ{[6352]} منه{[6353]} لما ذكر تعالى من { أن القوة لله جميعاً } ولذلك اتصل ذكر التبرؤ بذكر قبض القوة والقدرة عنهم - انتهى .

قال تعالى { ورأوا } أي الكل { العذاب } أي الذي لا محيص لهم عنه . وقال الحرالي : قاله رداً للإضمار على الجميع ، وفيه إشعار بأن ذلك قبل غلبة العذاب عليهم وفي حال الرؤية ، ففيه إنباء بأن بين رؤيتهم العذاب وبين أخذهم به مهل يقع فيه خصومتهم وتبرؤهم وإدراكهم للحق الذي كان متغيباً عنهم في الدنيا بما فتن بعضهم بعضاً - انتهى{[6354]} . { وتقطعت } أي تكلفت وتعمدت القطع وهو بين المتصل ، أشار إليه الحرالي ، ومعناه أنه قطع بقوة عظيمة{[6355]} ، ويجوز أن تكون صيغة التفعل إشارة إلى تكرر القطع في مهلة{[6356]} بأن يظهر لهم انقطاع الأسباب شيئاً فشيئاً زيادة في إيهانهم{[6357]} وإيلامهم وهو أنهم { بهم } أي كلهم جميع{[6358]} { الأسباب * } أي كلها ، وهي الوصل التي كانت بينهم في الدنيا ، والسبب ما{[6359]} يتوصل به إلى حصول ، {[6360]}في الأصل الحبل ، ثم قيل لكل{[6361]} مقصد . قال الحرالي : وفيه إشعار بخلوّ{[6362]} بواطنهم من التقوى ومن استنادهم إلى الله سبحانه وتعالى في دنياهم ، وأنهم لم يكونوا عقلوا إلا تسبب بعضهم ببعض فتقطعت بهم الأسباب{[6363]} ولم يكن{[6364]} لهم ، لأن ذلك واقع بهم في أنفسهم لا واقع لهم في غيرهم ، فكأنهم كانوا نظام أسباب تقطعت بهم فانتثروا{[6365]} منها ، وأسبابهم وصل ما بينهم في الدنيا التي لم تثبت{[6366]} في الآخرة ، لأنها من الوصل الفانية لا من الوصل الباقية لأن متقاضى ما في الدنيا ما كان منه بحق فهو من الباقيات الصالحات وما كان منه عن هوى فهو من الفاني الفاسد - انتهى .


[6335]:ليس في م
[6336]:في ظ: التبراء -كذا
[6337]:في م: من
[6338]:زمن م ومد و ظ، وفي الأصل: استياك
[6339]:العبارة من هنا إلى "لهم" ليست في ظ
[6340]:في م ومد: وقع
[6341]:من م ومد، وفي الأصل: يقعهم - كذا
[6342]:في مد: لإفضاح.
[6343]:في ظ: لاحقه
[6344]:من م و مد و ظ، وفي الأصل: إعلام
[6345]:في م و ظ ومد: في
[6346]:من م و ظ ومد، وفي الأصل: المقدم
[6347]:زيد ومد "و"
[6348]:زيد في م: هو
[6349]:ليس في م
[6350]:من م و مد، وفي الأصل و ظ: ليعيده.
[6351]:في ظ فقط: يعيده
[6352]:في م: فيتبوا - كذا
[6353]:زيدت من م و ظ ومد.
[6354]:زيد في م: ولما بين حال هذه التبرئة بين أن الأمر ألههم من ذلك، ولأن كلا منهم يتبرأ من أقرب الناس إليه ولا يهمه غير نفسه ولا يجد من يغنيه نوع غناء فقال
[6355]:من م ومدو ظ، وفي الأصل: عظيم
[6356]:من م و مد و ظ، وفي الأصل: جهلة.
[6357]:في م: إبهامهم
[6358]:ليس في م و ظ
[6359]:زيد من م و ظ
[6360]:ليست في م و مد و ظ
[6361]:ليست في م و مد و ظ
[6362]:في الأصل: تحملوا، والتصحيح من م و مد و ظ
[6363]:وفي البحر المحيط 1/ 473: {وتقطعت بهم الأسباب} كناية عن لا منجي لهم من العذاب ولا مخلص ولا تعلق بشيء يخلص من عذاب الله، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلق به
[6364]:كذا في الأصل، والظاهر: لم تكن
[6365]:في ظ: فاشتروا - كذا
[6366]:في م: لم تنبث