تبرأ : تفعل ، من قولهم : برئت من الدين .
براءة : وهو الخلوص والانفصال والبعد .
تقطع : تفعل من القطع ، وهو معروف .
الأسباب : جمع سبب ، وهو الوصلة إلى الموضع ، والحاجة من باب ، أو مودة ، أو غير ذلك .
قيل : وقد تطلق الأسباب على الحوادث ، قال الشاعر :
ومن هاب أسباب المنية يلقها *** ولو رام أسباب السماء بسلم
وأصل السبب : الحبل ، وقيل : الذي يصعد به ، وقيل : الرابط الموصل .
{ إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت العذاب بهم الأسباب } : لما ذكر متخذي الأنداد ذكر أن عبادتهم لهم وإفناء أعمارهم في طاعتهم ، معتقدين أنهم سبب نجاتهم ، لم تغن شيئاً ، وأنهم حين صاروا أحوج إليهم ، تبرأوا منهم .
وإذ : بدل من : إذ يرون العذاب .
وقيل : معمولة لقوله شديد العذاب .
وقيل : لمحذوف تقديره اذكروا الذين اتبعوا ، هم رؤساؤهم وقادتهم الذين اتبعوهم في أقوالهم وأفعالهم ، قاله ابن عباس وعطاء وأبو العالية وقتادة والربيع ومقاتل والزجاج ، أو الشياطين الذين كانوا يوسوسون ويرونهم الحسن قبيحاً والقبيح حسناً ، قاله الحسن وقتادة أيضاً والسدي ؛ أو عام في كل متبوع ، وهو الذي يدل عليه ظاهر اللفظ .
وقراءة الجمهور : اتبعوا الأول مبنياً للمفعول ، والثاني مبنياً للفاعل .
فعلى قراءة الجمهور : تبرؤ المتبوعون بالندم على الكفر ، أو بالعجز عن الدفع ، أو بالقول : إنا لم نضل هؤلاء ، بل كفروا بإرادتهم وتعلق العقاب عليهم بكفرهم ، ولم يتأت ما حاولوه من تعليق ذنوبهم على من أضلهم .
أقوال ثلاثة ، الأخير أظهرها ، وهو أن يكون التبرؤ بالقول .
قال تعالى : { تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون } وتبرؤ التابعين هو انفصالهم عن متبوعيهم والندم على عبادتهم ، إذ لم يجد عنهم يوم القيامة شيئاً ، ولم يدفع عنهم من عذاب الله ، ورأوا العذاب الظاهر .
إن هذه الجملة ، هي وما بعدها ، قد عطفتا على تبرأ ، فهما داخلان في حيز الظرف .
وقيل : الواو للحال فيهما ، والعامل تبرأ ، أي تبرؤوا في حال رؤيتهم العذاب وتقطع الأسباب بهم ، ولأنها حالة يزداد فيها الخوف والتنصل ممن كان سبباً في العذاب .
وقيل : الواو للحال في : ورأوا العذاب ، وللعطف في : وتقطعت على تبرأ ، وهو اختيار الزمخشري .
{ وتقطعت بهم الأسباب } : كناية عن أن لا منجى لهم من العذاب ، ولا مخلص ، ولا تعلق بشيء يخلص من عذاب الله ، وهو عام في كل ما يمكن أن يتعلق به .
وللمفسرين في الأسباب أقوال : الوصلات عن قتادة ، والأرحام عن ابن عباس وابن جريج ، أو الأعمال المتلزمة عن ابن زيد والسدي ، أو العهود عن مجاهد وأبي روق ، أو وصلات الكفر ، أو منازلهم من الدنيا في الجاه عن ابن عباس ، أو أسباب النجاة ، أو المودّات .
والظاهر دخول الجميع في الأسباب ، لأنه لفظ عام .
وفي هذه الجمل من أنواع البديع نوع يسمى الترصيع ، وهو أن يكون الكلام مسجوعاً كقوله تعالى : { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ، وهو في القرآن كثير ، وهو في هذه الآية في موضعين .
أحدهما : { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا } ، وهو محسن الحذف لضمير الموصول في قوله : اتبعوا ، إذ لو جاء اتبعوهم ، لفات هذا النوع من البديع .
والموضع الثاني : { ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب } ، ومثال ذلك في الشعر قول أبي الطيب :
في تاجه قمر في ثوبه بشر*** في درعه أسد تدمي أظافره
وقولنا من قصيد عارضنا به بانت سعاد :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.