قوله تعالى : { إِذْ تَبَرَّأَ } : في " إذْ " ثلاثة أوجهٍ ، أحدُها : أنَّها بدلٌ من " إذ يَرَوْن " . الثاني : أنها منصوبةٌ بقولِه " شديدُ العذاب " الثالث : - وهو أضعفها - أنها معمولةٌ لا ذكر مقدراً . و " تَبَرَّأ " في محلِّ خفضٍ بإضافةِ الظرفِ إليه . والتبرُّؤُ : الخلوصُ والانفصال ، ومنه : بَرِئْتُ من الدَّيْن ، وقد تَقدَّم تحقيقُ ذلك عند قولِه : { إِلَى بَارِئِكُمْ } [ البقرة : 54 ] . والجمهورُ على تقديم " اتُّبِعوا " مبنياً للمفعول على " اتَّبعوا " مبنياً للفاعل . وقرأ مجاهد بالعكس ، وهما واضحتان ، إلاَّ أنَّ قراءة الجمهورِ واردةٌ في القرآنِ أكثرَ .
قوله : { وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ } في هذه الجملة وجهانِ : أظهرهُما : أنها عطفٌ على ما قبلها ، فتكونُ داخلةً في حَيِّز الظرف ، تقديرُه : " إذ تبرّأ الذين اتُّبِعوا ، وإذْ رَأَوا " . والثاني : أن الواو للحالِ والجملةُ بعدها حاليةٌ ، و " قد " معها مضمرةٌ ، والعاملُ في هذه الحالِ : " تَبَرَّأ " أي : تبرَّؤوا في حالِ رؤيتهم العذابَ .
قوله : { وَتَقَطَّعَتْ } يجوزُ أن تكونَ الواوُ للعطفِ وأَنْ تكونَ للحالِ ، وإذا كانت للعطفِ فهل عَطَفَتْ " تَقَطَّعَتْ " على " تَبَرَّأ " ، ويكون قوله : " ورأوا " حالاً ، وهذا اختيار الزمخشري ، أو عَطَفَتْ على " رأوا " ؟ وإذا كانت للحال فهل هي حالٌ ثانية للذين ، أو حالٌ للضميرِ في " رَأوا " ؟ وتكونُ حالاً متداخلةً إذا جَعَلْنا " ورأوا " حالاً .
والباءُ في " بهم " فيها أربعةُ أوجهٍ ، أحدُهُما : أنَّها للحالِ أي : تَقَطَّعَتْ موصولةً بهم الأسبابُ نحو : " خَرَج بثيابه " . الثاني : أن تكونَ للتعديةِ ، أي : قَطَّعَتْهُم الأسبابُ كما تقولُ : تَفَرَّقَتْ بهم الطرقُ " أي : فَرَّقَتْهم . الثالث : أن تكون للسببية ، أي : تَقَطَّعتْ بسببِ كفرِهم الأسبابُ التي كانوا يَرْجُون بها النجاة . الرابع : أن تكونَ بمعنى " عن " ، أي : تَقَطَّعت عنهم .
والأسبابُ : الوَصْلاتُ بينهم ، وهي مجازٌ ، فإن السبب في الأصل الحَبْلُ ثم أُطلقَ على كلِّ ما يُتَوصَّل به إلى شيء : عيناً كان أو معنىً ، وقد تُطْلَقُ الأسبابُ على الحوادِثِ ، قال زهير :
ومَنْ هابَ أسبابُ المنايا يَنَلْنَه *** ولو نالَ أسبابَ السماءِ بسُلَّمِ
وقد وُجِد هنا نوعٌ من أنواعِ : البديع هو الترصيعُ/ ، وهو عبارةُ عن تَسْجِيع الكلامِ ، وهو هنا في موضعَيْن ، أحدُهما { اتُّبِعُواْ مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُواْ } ولذلك حَذَفَ عائدَ الموصولِ الأولِ فلم يَقُلْ : من الذين اتَّبعوهم لفوات ذلك والثاني : { وَرَأَوُاْ الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَاب } وهو كثيرٌ في القرآنِ { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } [ البقرة : 73 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.