ولما أبطل سبحانه ما وصموا به رسوله صلى الله عليه وسلم وذكر ما جزاهم عليه . وما أعد لهم وله ولأتباعه ، ونفى ما زعموه في معبوداتهم وختمه بتعذيب الظالم ، ذكر ما ظلموا فيه من قولهم { ما لهذا الرسول } ونحوه ، فبين أن ما جعلوه من ذلك وصمة في حقه هو سنته سبحانه في الرسل من قبله أسوة لنوعهم البشري ، وأتبعه سره فقال زيادة في التسلية والتعزية والتأسية : { وما أرسلنا } بما لنا من العظمة . ولما كان المراد العموم ، أعراه من الجار فقال : { قبلك } أي يا محمد أحداً { من المرسلين إلا } وحالهم { إنهم ليأكلون الطعام } كما تأكل ويأكل غيرك من الآدميين { ويمشون في الأسواق } كما تفعل ويفعلون أي إلا وحالهم الأكل والمشي لطلب المعاش كحال سائر الآدميين ، وهم يعلمون ذلك لما سمعوا من أخبارهم ، وهذا تأكيد من الله تعالى فإنهم لا يكذبونه عليه الصلاة والسلام ، ولا يعتقدون فيه نقصاً ، وإبطال لحجتهم بما قالوه من ذلك ، وإقامة للحجة على عنادهم ، وأنهم إنما يقولونه وأمثاله لما تقدم من رسوخ التكذيب بالساعة في أنفسهم { وجعلنا } أي بالعطاء والمنع بما لنا من العظمة { بعضكم لبعض فتنة } بأن جعلنا هذا نبياً وخصصناه بالرسالة ، وهذا ملكاً وخصصناه بالدنيا ، وهذا فقيراً وحرمناه الدنيا ، ليظهر ما نعلمه من كل من الطاعة والمعصية في عالم الغيب للناس في عالم الشهادة ، فنختبر الفقير بصبره على ما حرم مما أعطيه الغني أو جزعه ، والملك ومن في معناه من الأشراف بصبرهم على ما أعطيه الرسول من الكرامة والبلوغ بالقرب من الله إلى ما لا يبلغونه مع ما هم فيه من العظمة ، فلأجل ذلك لم أعط رسولي الدنيا ، وجعلته ممن يختار العبودية والكفاف بطلب المعاش في الأسواق ، لأبتليكم في الطاعة له خالصة ، فإني لو أعطيته الدنيا ، وجعلته ممن يختار الملك ، لسارع الأكثر إلى اتباعه طمعاً في الدنيا ، وهذا معنى { أتصبرون } فإنه علة ما قبله ، أي لنعلم علم شهادة هل تصبرون فيما امتحناكم به أم لا ؟ كما كنا نعلمه علم غيب ، لتقوم عليكم بذلك الحجة في مجاري عاداتكم ، وفيها مع العلية تهديد بليغ لمن تدبر ، ويجوز أن يكون الاستفهام استئنافاً للتهديد .
ولما كان الاختبار ربما أوهم نقصاً في العلم ، وكان إحسانه سبحانه إلى جميع الخلق دون إحسانه إلى سيدهم وعينهم ، وخلاصتهم وزينهم : محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان أعلمهم بتنزيهه وتعظيمه ، وكان امتحانهم بجعله نبياً عبداً مع كونه في غاية الإكرام له ربما ظنوه إهانة ، نفى ما لعله يوهمه كل من الاستفهام والامتحان في حق الله سبحانه وحق نبيه صلى الله عليه وسلم ، فقال صارفاً وجه الخطاب إليه : { وكان ربك } أي المحسن إليك إحساناً لم يحسنه إلى أحد سواك ، لا سيما بجعلك نبياً عبداً { بصيراً* } بكل شيء فهو عالم بالإنسان قبل الامتحان ، لم يفده ذلك علماً لم يكن ، وهو سبحانه يضع الأمور في حاق مواضعها وإن رئي غير ذلك ، فينبغي على كل أحد التسليم له في جميع الأمور فإنه يجر إلى خير كبير ، والتدبر لأقواله وأفعاله بحسن الانقياد والتلقي فإنه يوصل إلى علم غزير ، وما أراد بابتلائك بهم وابتلائهم بك في هذا الأذى الكبير إلا إعلاء شأنك وإسفال أمرهم{ ولتعلمن نبأه بعد حين }[ ص : 88 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.