نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّمَا ٱلنَّجۡوَىٰ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ لِيَحۡزُنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَلَيۡسَ بِضَآرِّهِمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا بِإِذۡنِ ٱللَّهِۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (10)

ولما شدد سبحانه في {[63300]}أمر النجوى{[63301]} وكان لا يفعلها إلا أهل النفاق ، فكان ربما ظن ظان أنه يحدث عنها ضرر لأهل الدين ، قال ساراً للمخلصين و{[63302]}غاماً للمنافقين ومبيناً أن ضررها إنما يعود عليهم : { إنما النجوى } أي المعهودة وهي المنهي عنها ، وهي ما كره{[63303]} صاحبه أن يطلع{[63304]} عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ما خيله الشيطان من الأحكام المكروهة للإنسان { من الشيطان } أي مبتدئة{[63305]} من المحترق بطرده عن رحمة الله تعالى فإنه الحامل عليها بتزيينها ففاعلها تابع لأعدى أعدائه مخالفة لأوليائه .

ولما بين أنها منه ، بين الحامل له على تزيينها فقال : { ليحزن } أي الشيطان{[63306]} ليوقع الحزن في قلوب{[63307]} { الذين آمنوا } أي يتوهمهم أنهم بسبب شيء وقع مما يؤذيهم ، والحزن : هم غليظ وتوجع يرق له القلب ، حزنه وأحزنه بمعنى ، وقال في القاموس : أو أحزنه : جعله حزيناً ، وحزنه : جعل فيه حزناً .

فعلى هذا قراءة نافع{[63308]} من أحزن أشد في المعنى من قراءة الجماعة .

ولما كان ربما خيل هذا من في قلبه مرض أن في يد الشيطان شيئاً من الأشياء{[63309]} ، سلب{[63310]} ذلك بقوله : { وليس } أي الشيطان وما حمل{[63311]} عليه من التناجي ، وأكد النفي بالجار فقال : { بضارّهم } أي الذين آمنوا { شيئاً } من الضرر وإن قل وإن خفي - بما أفهمه الإدغام { إلا بإذن الله } أي تمكين الملك المحيط {[63312]}بكل شيء{[63313]} علماً وقدرة ، روى الشيخان{[63314]} عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه " ولما كان التقدير : فقد علم أنه لا يخشى أحد غير الله لأنه لا ينفذ إلا ما أراده ، فإياه فليخش المربوبون ، عطف عليه قوله : { وعلى الله } أي الملك الذي لا كفوء له ، لا على أحد غيره { فليتوكل المؤمنون } أي الراسخون في الإيمان في جميع أمورهم ، فإنه القادر وحده على إصلاحها وإفسادها ، ولا يحزنوا من أحد أن يكيدهم بسره ولا بجهره ، فإنه إذا توكلوا عليه وفوضوا أمورهم{[63315]} إليه ، لم يأذن في حزنهم ، وإن لم يفعلوا أحزنهم ، وخص الراسخين لإمكان ذلك منهم في العادة ، وأما أصحاب البدايات فلا يكون ذلك منهم إلا خرق عادة .


[63300]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمرا.
[63301]:- من ظ وم، وفي الأصل: أمرا.
[63302]:- زيد من ظ وم.
[63303]:- من ظ وم، وفي الأصل ذكره.
[63304]:- من ظ وم، وفي الأصل: يتطلع.
[63305]:- في ظ وم: ممتدة.
[63306]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63307]:- سقط ما بين الرقمين من م.
[63308]:-راجع نثر المرجان 7/ 251.
[63309]:- زيد من ظ وم.
[63310]:- من ظ وم، وفي الأصل: سبب عن.
[63311]:من ظ وم، وفي الأصل: هو.
[63312]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[63313]:- سقط ما بين الرقمين من ظ وم.
[63314]:راجع صحيح البخاري 2/ 931 وصحيح مسلم 2/ 219.
[63315]:- من م، وفي الأصل وظ: أمرهم.