نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

ولما أنتج هذا أن لهم الأسماء السوأى ولمعبوداتهم أسوأ منها ، عطف عليه{[34170]} دفعاً لوهم من يتوهم بالحكم بالضلال والذرء لجهنم ما لا يليق ، وتنبيهاً على أن الموجب لدخول جهنم الغفلة عن ذكر الله{[34171]} ودعائه - قوله : { ولله } أي الملك الأعلى المحيط بجميع صفات الكمال وحده { الأسماء } ولما كان الاسم إذا لحظت فيه المناسبة كان بمعنى الصفة ، أنث في قوله{[34172]} { الحسنى } أي كلها باتصافه دون غيره بصفات الكمال التي كل واحدة{[34173]} منها أحسن شيء وأجمله وتنزهه عن شوائب النقص وسمات الحدث ، فكل أفعاله حكمة و{[34174]}إنما كان مختصاً بذلك لأن الأشياء غيره{[34175]} ممكنة لتغيرها ، وكل{[34176]} ممكن محتاج وأدنى ما يحتاج{[34177]} إلى مرجح يرجح وجوده ، وبذلك نعلم وجود المرجح ونعلم أن ترجيحه على سبيل الصحة والاختيار لا الوجوب ، وإلا لدام العالم بدوامه ، وبذلك ثبتت قدرته ، وتكون أفعاله محكمة ثبت علمه فثبتت حياته وسمعه وبصره وكلامه وإرادته ووحدانيته ، وإلا لوقع التنازع فوقع الخلل{[34178]} ، فالعلم بصفاته العلى ليس في درجة واحدة بل مترتباً ، وعلم بهذا أن الكمال له لذاته ، وأما غيره فكماله به وهو بذاته غرق في بحر الفناء واقع في حضيض النقصان { فادعوه } أي فصفوه وسموه واسألوه { بها } لتنجوا من جهنم وتنالوا كل ما تحمد عاقبته ، فإن القلب إذا غفل عن ذكر الله أقبل على الدنيا وشهواتها فوقع في نار الحرص وزمهرير الحرمان ولا يزال في{[34179]} رغبة إلى رغبة حتى لا يبقى له مخلص ، وإذا{[34180]} أقبل على{[34181]} الذكر تخلص عن نيران الآفات واستشعر بمعرفة الله حتى تخلص{[34182]} من{[34183]} رق الشهوات فيصير حراً فيسعد بجميع المرادات ، وكثرة الأسماء لا تقدح في التوحيد بل{[34184]} تدل على عظم المسمى { وذروا } أي اتركوا على حالة ذرية { الذين يلحدون } أي يميلون عما حد لهم بزيادة فيشبهوا أو نقص فيعطلوا{[34185]} { في أسمائه } أي فيطلقونها على غيره بأن يسموه إلهاً ، فيلزمهم أن يطلقوا عليه جميع أوصاف الإله . فقد ألحدوا في البعض بالفعل وفي الباقي باللزوم ، أو بأن يسموه بما لم يأذن فيه{[34186]} ، وما لم يأذن فيه{[34187]} تارة يكون مأذوناً فيه في الجملة كالضار فلا يجوز ذكره إلا مع النافع ، وتارة لا ، مثل إطلاق الأب عليه والجسم ، وكذا كل ما أوهم نقصاً ، فلم يكن أحسن ، ولورود{[34188]} إطلاق بعض{[34189]} اشتقاقاته عليه{[34190]} مثل علم لا يجوز{[34191]} أن يقال لأجله :معلم ، وكذا لحبهم{[34192]} لا يجوز لأجله أن يقال : ياخالق الديدان والقردة مثلاً ، وكذا لا يجوز{[34193]} أن يذكر اسم لا يعرف الذاكر معناه ولو كان الناس يفهمون منه مدحاً كما يقول بعض البدو : يا أبيض الوجه ! يا أبا المكارم ! فإن ذلك كله إلحاد ، وهذا الفعل يستعمل مجرداً ومزيدا فيقال : لحد في كذا وألحد فيه - بمعنى واحد ، وهو العدول عن الحق والإدخال فيه ما ليس منه{[34194]} - نقله أبو حيان عن ابن السكيت ؛ وقال الإمام أبو القاسم علي بن جعفر بن القطاع في كتاب الأفعال : لحد الميت لحداً وألحده : شق له جانب القبر ، وإلى الشيء و{[34195]}عنه وفي الدين : مال ، وقرئ بهما كذلك .

ولما كان كأنه قيل : فما يفعل بمن ألحد ؟ وكان المرهب إيقاع الجزاء ، لا كونه من معين ، قال بانياً للمفعول : { سيجزون } أي في الدنيا والآخرة بوعد لا خلف فيه { ما كانوا } أي{[34196]} بجبلاتهم { يعملون* } أي فيفعل بهم من أنواع الإهانة والعقوبة ما يوجب وصفهم بأقبح الأوصاف ضد ما كانوا يسمعونه في الدنيا ممن يدانيهم{[34197]} .


[34170]:- من ظ، وفي الأصل: عليها.
[34171]:- سقط من ظ.
[34172]:زيد من ظ.
[34173]:- في ظ: واحد.
[34174]:- زيد من ظ.
[34175]:- من ظ، وفي الأصل: غير.
[34176]:- من ظ، وفي الأصل: ذلك.
[34177]:- في الأصل وظ: تحتاج.
[34178]:- في ظ: الجلل.
[34179]:- من ظ، وفي الأصل: من.
[34180]:- من ظ، وفي الأصل: فإذا.
[34181]:- من ظ، وفي الأصل: إلى.
[34182]:- من ظ، وفي الأصل: يخلص.
[34183]:- سقط من ظ.
[34184]:- زيد من ظ.
[34185]:-زيد من ظ.
[34186]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34187]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34188]:- في ظ: لو ورد.
[34189]:- من ظ، وفي الأصل: استقامة على.
[34190]:- من ظ، وفي الأصل: استقامة على.
[34191]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34192]:- كذا في الأصلين.
[34193]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34194]:- من البحر المحيط 4/ 419، وفي الأصل وظ: فيه.
[34195]:- سقط من ظ.
[34196]:- سقط من ظ.
[34197]:- في ظ: يراييهم.