التفسير الحديث لدروزة - دروزة  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ} (59)

{ قُلْ أَرَأَيْتُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ لَكُم مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُم مِّنْهُ حَرَامًا وحلالا قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ 59 ومَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ولَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ 60 } [ 59 60 ] .

في الآية الأولى أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بسؤال الكفار بأسلوب تنديدي عما إذا كانوا يستندون في تحليلهم وتحريمهم رزق الله الذي رزقهم إياه إلى إذن الله وتعاليمه أم أنهم يفترون عليه ، والسؤال يتضمن تقرير كون ذلك منهم افتراء على الله . وفي الآية الثانية إنذار للذين يفترون على الله . فهل يظنون أنهم ينجون من عذاب الله ونكاله يوم القيامة . والسؤال يتضمن نفي نجاتهم وقد ذكرت الفقرة الثانية من الآية بأسلوب تنديدي بما يغدقه الله من فضله على الناس وبعدم شكر أكثرهم لفضله إذ يقفون من آياته ورسله موقف الجاحد المناوئ .

والآيتان تنطويان على تقرير كون زعم المشركين بأن ما يحرمونه وما يحللونه نسبة إلى الله هو افتراء عليه وبدون أي سند وأنهم بذلك لا يتلقون نعم الله وأفضاله على وجهها الحقّ ويسيئون استعمالها .

ولا يروي المفسرون رواية ما في صدد نزول الآيتين ، والمتبادر أنهما فصل من الفصول التي ما فتئت تحكي أقوال المشركين ومواقفهم على سبيل التنديد والتسفيه والإفحام . فهما والحالة هذه ليستا منقطعتين عن السياق وتوجيه الخطاب إلى مخاطبين كانوا يخاطبون قبلهما وهم الكفار قرينة على ذلك .

والآية الأولى تنطوي على صورة من صور ما كان عليه العرب من تقاليد دينية حيث كانوا يحرمون بعض الأنعام في ظروف خاصة ، أو يحظرونها على فريق ويبيحونها لفريق ، ويعتبرون ذلك من التقاليد الدينية التي أمر الله بها وجرى الأجداد والآباء عليها ، وقد احتوت سورتا المائدة والأنعام آيات عديدة في صدد هذه التقاليد التي سوف نشرحها في سياق تفسير السورتين اللتين إحداهما في هذا الجزء .