جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ} (59)

{ قل أراءيتم{[2189]} ما أنزل الله } ، ما مفعول أرأيتم ، أي : أخبرونيه ، { لكم من رزق } ، الرزق مقدر من{[2190]} السماء محصل بأسباب منها ، { فجعلتم منه حراما وحلالا } ، المراد ما حرم المشركين من البحائر والسوائب والوسائل ، وأحلوا من الميتة وغيرها ، { قل الله أذن لكم } ، بالتحليل والتحريم ، { أم على الله تفترون{[2191]} } ، في نسبة ذلك إليه قيل الهمزة{[2192]} للإنكار ، وأم منقطعة .


[2189]:ولما من علينا بإنزال القرآن المشتمل على التحليل والتحريم بين فساد شرائعهم وأحكامهم فقال: "قل أريتم" الآية/وجيز.
[2190]:فلذلك قال أنزل.
[2191]:وفي هذه الآية الشريفة ما يصل مسامع المتصدرين للإفتاء لعباد الله في شريعته بالتحليل والتحريم مع كونهم مقلدين لا يعقلون حجج الله ومبلغهم من العلم الحكاية لقول قائل من الأمة قد قلدوه في دينهم وجعلوه شارعا مستقلا ما عمل به من الكتاب والسنة فهو معمول به عندهم وما لم يبلغه أو بلغه ولم يفهمه حق فهمه وأخطأ الصواب في اجتهاده وترجيحه فهو في حكم المنسوخ عندهم المرفوع حكمه عن العباد مع كون من قلدوا متعبدا بهذه الشريعة كما هم متعبدون بها وقد اجتهد رأيه وأدى ما عليه وفاز بأجرين مع الإصابة وأجر مع الخطأ، إنما الشأن في جعلهم لرأيه الذي أخطأ فيه دليلا معمولا به وقد أخطئوا في هذا خطأ بينا غلطوا غلطا فاحشا فإن الترخيص للمجتهد في اجتهاد رأيه يخصه ولا قائل من أهل الإسلام المعتد بأقوالهم أنه يجوز لغيره أن يعمل به تقليدا له واقتداء به، و ما جاء به المقلد في تقويم هذا الباطل فهو من الجهل العاطل، قال النسفي: الآية زاجرة عن التجوز فيما يسأل عن الأحكام وباعثه على وجوب الاحتياط فيه وأن لا يقول أحد في شيء جائز أو غير جائز إلا بعد إيقان وإتقان وإلا فهو مفتر على الديان ثم قال: "وما ظن الذين" الآية/ فتح البيان في مقاصد القرآن.
[2192]:وعلى المعنى الذي فسرنا أم متصلة.