إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{قُلۡ أَرَءَيۡتُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُم مِّن رِّزۡقٖ فَجَعَلۡتُم مِّنۡهُ حَرَامٗا وَحَلَٰلٗا قُلۡ ءَآللَّهُ أَذِنَ لَكُمۡۖ أَمۡ عَلَى ٱللَّهِ تَفۡتَرُونَ} (59)

{ قُلْ أَرَأيْتُمْ } أي أخبروني { ما أَنزَلَ الله لَكُمْ من رزْقٍ } ( ما ) منصوبةُ المحلِّ بما بعدها أو بما قبلها واللامُ للدِلالة على أن المرادَ بالرزق ما حل لهم ، وجعلُه منزلاً لأنه مقدّرٌ في السماء محصّلٌ هو أو ما يتوقف عليه وجوداً أو بقاءً بأسباب سماويةٍ من المطر والكواكبِ في الإنضاج والتلوين { فَجَعَلْتُمْ منْهُ } أي جعلتم بعضَه { حَرَامًا } أي حكمتم بأنه حرامٌ { وَحَلاَلاً } أي وجعلتم بعضَه حلالاً أي حكمتم بحِلّه مع كون كلِّه حلالاً وذلك قولُهم : { هذه أنعام وَحَرْثٌ حِجْرٌ } ّ[ الأنعام ، الآية 138 ] ، وقولهم : { مَا في بُطُونِ هذه الأنعام خَالِصَةٌ لذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ على أزواجنا } [ الأنعام ، الآية 139 ] ونحوُ ذلك ، وتقديمُ الحرامِ لظهور أثرَ الجعلِ فيه ودورانِ التوبيخِ عليه { قُلْ } تكريرٌ لتأكيد الأمرِ بالاستخبار أي أخبروني { الله أَذِنَ لَكُمْ } في ذلك الجعلِ فأنتم فيه ممتثلون بأمره تعالى { أَمْ عَلَى الله تَفْتَرُونَ } أم متصلةٌ والاستفهامُ للتقرير والتبكيتِ لتحقق العلمِ بالشق الأخير قطعاً كأنه قيل : أم لم يأذنْ لكم بل تفترون عليه سبحانه ، فأظهر الاسمَ الجليلَ وقدّم على الفعل دِلالةً على كمال قبحِ افترائِهم وتأكيداً للتبكيت إثرَ تأكيدٍ مع مراعاة الفواصلِ ، ويجوز أن يكون الاستفهامُ للإنكار وأمْ منقطعةً ، ومعنى بل فيها الإضرابُ والانتقال من التوبيخ والزجرِ بإنكار الإذنِ إلى ما تفيده همزتُها من التوبيخ على الافتراء عليه سبحانه وتقريرِه ، وتقديمُ الجارِّ والمجرور على هذا يجوز أن يكون للقصر كأنه قيل : بل أعلى الله تعالى خاصة تفترون .