معاني القرآن للفراء - الفراء  
{أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدٗا رَّابِيٗاۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (17)

وقوله : { أَنَزَلَ مِنَ السَّماء ماء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها 17 }

ضربه مثلا للقرآن إذا نَزَل عليهم لقوله : { فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها } يقول قبلته القلوب بأقدارها وأهوائها .

وقوله : { فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً } يذهب لا منفعة له ، كذلك ما سكن في قلب مَن لم يؤمن وعبد آلهته وصَار لا شيء في يده { وَأَما ما يَنفَعُ الناسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ } فهذا مَثَلُ المؤمن .

ثم قال عزّ وجلّ : { وَمِما يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النارِ } من الذهب والفضة والنُّحاس زَبَد كزَبَد السيل يعنى خَبثه الذي تُحصّله النار فتخرجه من الذهب والفضّة بمنزلة الزَبَدِ في السيل .

وأما قوله : { ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ } يقول : يوقدون عليه في النار يبتغون به الحُلِيّ والمتاع ما يكون من النحاس والحديد هو زَبدَ مثله .

وقوله : { فَيَذْهَبُ جُفَاء } ممدود أصله الهمز يقول : جفأ الوادي غُثَاءه جَفْثا . وقيل : الجُفَاء : كما قيل : الغُثَاء : وكل مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القُماش والدُّقاق والغُثَاء والحُطَام فهو مصدر . ويكون في مذهب اسم على هذا المعنى ؛ كما كان العطاء اسما على الإعطاء ، فكذلك الجُفاء والقماش لو أردت مصدره قلت : قمشته قمشاً . والجُفَاء أي يذهَب سريعاً كما جاء .