صفوة البيان لحسين مخلوف - حسنين مخلوف  
{أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءٗ فَسَالَتۡ أَوۡدِيَةُۢ بِقَدَرِهَا فَٱحۡتَمَلَ ٱلسَّيۡلُ زَبَدٗا رَّابِيٗاۖ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيۡهِ فِي ٱلنَّارِ ٱبۡتِغَآءَ حِلۡيَةٍ أَوۡ مَتَٰعٖ زَبَدٞ مِّثۡلُهُۥۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡحَقَّ وَٱلۡبَٰطِلَۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذۡهَبُ جُفَآءٗۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمۡكُثُ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ كَذَٰلِكَ يَضۡرِبُ ٱللَّهُ ٱلۡأَمۡثَالَ} (17)

{ أنزل من السماء ماء } ضرب الله مثلين للحق : هما الماء الصافي ، والجوهر الصافي ، اللذان ينتفع بهما ومثلين للباطل : هما زبد الماء ، وزبد الجوهر ، اللذان لا نفع فيهما . { فسالت أودية بقدرها } فسالت المياه في الأودية بمقدرها الذي عينه الله تعالى ، واقتضته حكمته في نفع الناس . أو بمقدراها قلة وكثرة بحسب صغر الأودية وكبرها . والأودية : جمع واد ، وهو الموضع الذي يسيل فيه الماء بكثرة ، ويطلق على الفرجة بين الجبلين .

{ فاحتمل السيل } أي فحمل الماء السائل في الأودية { زبدا } وهو ما يعلو على وجه الماء عند اشتداد حركته و يسمى الغثاء . وما يعلوا على القدر عند الغليان كالرغوة ويسمى الوضر والخبث .

{ رابيا } عاليا مرتفعا فوق الماء ، طافيا عليه . وهنا تم المثل الأول ، ثم ابتدأ في الثاني فقال : { و مما يوقدون عليه في النار } أي ومن الذي يفعلون عليه الإيقاد في النار كالذهب والفضة والنحاس والرصاص وغيرها من المعادن .

{ ابتغاء حلية } أي لأجل اتخاذه حلية للزينة

والتجمل كالأولين { أو متاع } أو لأجل اتخاذه متاعا يرتفق به كالآخرين .

{ زبد مثله } أي مثل ذلك الزبد في كونه رابيا فقوله{ زبد } مبتدأ مؤخر خبره{ مما يوقدون } . { كذلك يضرب الحق والباطل } أي يضرب مثلها للناس للاعتبار .

{ فأما الزبد فيذهب جفاء } فأما الزبد من كل من السيل ومما يوقدون عليه في النار فيذهب مرميا به مطروحا . يقال : جفأ الماء بالزبد ، إذا قذفه ورمى به . وجفأت القدر : رمت بزبدها عند الغليان . وأجفأت به وأجفأته .