قوله ( تعالى ) {[36121]} : { أنزل من السماء ماء } إلى قوله { وبيس المهاد }[ 17-18 ] : هذا مثل ضربه الله تعالى { جل ذكره } {[36122]} للحق والباطل ، والإيمان به والكفر {[36123]} .
فالمعنى : مثل الحق في ثباته {[36124]} ، ( والكفر ) {[36125]} في اضمحلاله مثل ماء أنزله الله ، { فسالت أودية بقدرها }[ 17 ] : ( أي ) فاجتمعت الأودية ، الماء بقدر ملئها الكبير بكبره {[36126]} ، والصغير بصغره {[36127]} .
{ فاحتمل السيل زبدا رابيا }[ 17 ] : أي : ( عاليا على الماء ) {[36128]} .
فهذا أحد {[36129]} مثلي الحق والباطل . فأما النافع {[36130]} / فهو {[36131]} الحق ، والزبد : الرائب {[36132]} الذي لا ينفع هو الباطل {[36133]} .
وتحقيق معنى هذا المثل : أن الماء المنزل مثل للقرآن {[36134]} المنزل {[36135]} .
فالماء يعم نفعه كل أرض طيبة ، والقرآن يعم نفعه كل قلب طيب {[36136]} ، والأودية مثل للقلوب {[36137]} ، لأن الأودية بستكن فيها الماء . كذلك والإيمان والقرآن يستكنان في قلوب المؤمنين . والسيل مثل للأهواء {[36138]} العارضة في القلوب ، لأن الهوى يغلب على القلوب ، كما يغلب السيل {[36139]} بما حمل من الماء وغيره {[36140]} . والزبد مثل للباطل ، وما يستقر من الماء الخالص ( مثل لما يستقر في قلب المؤمن من الإيمان ، فينتفع بذلك كما تنتفع الأرض بما يستقر من الماء الخالص ) {[36141]} فيها . ومثله المثل الثاني : ما يتحصل {[36142]} من جيد {[36143]} الذهب ، والفضة ، والحديد والنحاس مثل لما يستقر {[36144]} في قلب المؤمن من الإيمان {[36145]} .
ثم ضرب مثلا آخر أيضا آخر للحق والباطل {[36146]} ، فقال : { ومما توقدون {[36147]} عليه في النار }[ 19 ] إلى آخر المثل : أي : والحق والباطل كمثل فضة ، أو ذهب ، أو نحاس ، يوقد عليه {[36148]} الناس في النار ، في طلب حلية يتخذونها ، أو متاع . وذلك {[36149]} من النحاس : وهي الأواني التي تتخذ {[36150]} منه ، ( و ) {[36151]} من الرصاص والحديد فيكون له زبدا {[36152]} ، مثل زبد السيل ، وزبده : خبثه الذي لا ينتفع به ، فالذي يصفى {[36153]} من هذه الأشياء هو مثل الحق ينتفع بهما {[36154]} . والخبث {[36155]} مثل الباطل لا ينتفع بهما ، ثم بين لنا ، في أي ( شيء ) {[36156]} ضربت {[36157]} هذه الأمثال فقال :
{ كذلك يضرب الله الحق والباطل }[ 17 ] : يضرب مثل الحق والباطل ، ثم حذف {[36158]} المضاف . ( والحق ) : الإيمان و( الباطل ) : الكفر : وكما {[36159]} أن زبد السيل ، وخبث ما يوقد عليه في النار لا ينتفع به ، كذلك لا ينتفع الكافر بعمله {[36160]} عند حاجته إليه . وكما ينتفع بالماء ، وبما يوقد عليه في النار ، كذلك ينتفع المؤمن بإيمانه عند حاجته إليه .
وقوله : { فيذهب جفاء }[ 17 ] : يذهب بدفع {[36161]} الريح ، وقذف الماء به . فيتعلق في جوانب الوادي ، وبالأشجار . وهو من : أَجْفَأتِ القدر {[36162]} : إذا رمت بزبدها {[36163]} ، وهو الغشاء . فيقول : إن الباطل ، وإن ظهر على الحق في بعض الأشياء وعلا ، فإنه {[36164]} يتمحق {[36165]} ، ويذهب {[36166]} . وتكون العاقبة للحق . كما أن هذا الزبد ، وإن علا ( علا الماء ) {[36167]} ، فإنه يذهب ويتمحق ، وكذلك الخبث من الحديد ، وغيره هو وإن علا {[36168]} فإنه يذهب ويتمحق ، ويطرحه الكير ، ويبقى من الماء وغيره ما ينتفع به . كذلك يبقى الحق ويثبت : هذا ( كله ) {[36169]} معنى قول {[36170]} ابن عباس ، وتفسيره ( رحمة الله عليه ) {[36171]} قال : ( هو مَثَلٌ {[36172]} ضربه الله للناس عند نزول القرآن ، فاحتملت منه القلوب على قدر يقينها وشكها . فأما الشك فلا ينفع معه العمل {[36173]} ، وأما اليقين فينتفع به .
( فالزبد ) : الشك في الله ، ( والذي يمكث في الأرض ) : اليقين {[36174]} .
وروي ( عنه ) {[36175]} أنه قال : هو مثل ضرب( ه ) {[36176]} الله للعمل الصالح ، والعمل السوء : فالصالح كالماء الذي يمكث في الأرض ، ينتفع به / الناس كذلك ينتفع أصحاب العمل الصالح به في الآخرة ، وكذلك {[36177]} ما تحت الخبث من الرصاص ، والحديد ، والذهب ينتفع به ، مثل العمل الصالح .
وأما الزبد منها {[36178]} فلا ينتفع به ، كما لا ينتفع أصحاب العمل السوء ( بعملهم ) {[36179]} {[36180]} .
وقرأ رؤبة {[36181]} : ( فيذهب جفالا ) {[36182]} يقال : جفأت {[36183]} الريح السحاب : إذا قطعته ، وأذهبته {[36184]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.