معاني القرآن للفراء - الفراء  
{وَلَا تَنفَعُ ٱلشَّفَٰعَةُ عِندَهُۥٓ إِلَّا لِمَنۡ أَذِنَ لَهُۥۚ حَتَّىٰٓ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمۡ قَالُواْ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمۡۖ قَالُواْ ٱلۡحَقَّۖ وَهُوَ ٱلۡعَلِيُّ ٱلۡكَبِيرُ} (23)

وقوله : { إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ23 } أي لا ينفع شفاعةُ مَلَكٍ مقرَّبٍ ولا نبيّ حتى يُؤذن له في الشفاعة . ويقال : حتى يؤذن له فيمن يشفع ، فتكون ( مَنْ ) للمشفوع له .

وقوله : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ } قراءة الأعمش وعاصم بن أبى النجود وأبى عبد الرحمن السُّلَمىّ وأهل المدينة . وقراءة الحسن البصري ( فُرِّغَ ) وقراءة مجاهد ( حَتّى إِذَا فَزَّعَ ) يجعل الفعل لله وأما قول الحسَن فمعناه حتى إذا كُشف الفزع عن قلوبهم وفُرِّغَت منه . فهذا وجه . ومن قال فُزِّع أو فَزَّع فمعناهُ أيضاً : كُشف عنه الفزع ( عن ) تدلّ على ذلك كما تقول : قد جُلِّيَ عنك الفزع . والعرب تقول للرجل : إنه لمُغَلَّب وهو غالب ، ومغَلَّب وهو مغلوب : فمن قال : مغَّلب للمغلوب يقول : هو أبداً مغلوب . ومن قال : مغلّب وهو غالب أراد قول الناس : هو مغلَّب . والمفزَّع يكون جبانا وشجاعاً فمن جَعله شجاعاً قال : بمثله تنزل الأفزاع . ومنْ جعله جبانا فهو بَيّن . أراد : يَفزَع من كلّ شيء .

وقوله : { قَالُواْ الْحَقَّ } فالمعنى في ذلكَ أنه كان بين نبيّنا وبين عِيسَى صَلى الله عليهما وسَلم فَتْرة ، فلما نزل جبريل على محمدٍ - عليهما السّلام - بالوحي ظنّ أهل السموات أنه قيام السَّاعة . فقال بعضهم : { ماذَا قَالَ رَبُّكُمْ } فلم يدروا ، ولكنهم قالوا : قال الحقّ . ولو قرئ { الْحَقّ } بالرفع أي هو الحقّ كان صَوَاباً . ومن نصب أوقع عَليه القول : قالوا قَالَ الحَقَّ .