معاني القرآن للفراء - الفراء  
{۞يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡأَحۡبَارِ وَٱلرُّهۡبَانِ لَيَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلنَّاسِ بِٱلۡبَٰطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِۗ وَٱلَّذِينَ يَكۡنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلۡفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرۡهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٖ} (34)

وقوله : { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ }

ولم يقل : ينفقونهما . فإن شئت وجَّهت الذهب والفضة إلى الكنوز فكان توحيدها من ذلك . وإن شئت اكتفيت بذكر أحدهما من صاحبه ؛ كما قال : { وإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها } فجعله للتجارة ، وقوله : { وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْما ثُمَّ يَرْمِ بِه بَرِيئاً } فجعله - والله أعلم - للإثم ، وقال الشاعر في مثل ذلك :

نحن بما عندنا وأنت بما عن *** دك راضٍ والرأي مختلِف

ولم يقل : راضون ، وقال الآخر :

إني ضمنت لمن أتاني ما جنى *** وأبى وكان وكنت غير غدور

ولم يقل : غَدورين ، وذلك لاتفاق المعنى يُكتفي بذكر الواحد . وقوله : { والله ورَسُولُهُ أحَقُ أن يُرْضُوهُ } إن شئت جعلته من ذلك : مما اكتفي ببعضه من بعض ، وإن شئت جعلت الله تبارك وتعالى في هذا الموضع ذُكِر لتعظيمه ، والمعنى للرسول صلى الله عيه وسلم ؛ كما قال : { وإِذْ تَقُولُ لِلّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } ألا ترى أنك قد تقول لعبدك : قد أعتقك الله وأعتقتك ، فبدأتَ بالله تبارك وتعالى تفويضا إليه وتعظيما له ، وإنما يقصد قَصْد نفسه .