قوله تعالى : { طَرَفَيِ النَّهَارِ } : ظرفٌ ل " أَقِمْ " . ويضعف أن يكون ظرفاً للصلاة ، كأنه قيل : أي : أقم الصلاة الواقعة في هذين الوقتين ، والطَرَف وإن لم يكن ظرفاً ، ولكنه لمَّا أضيف إلى الظرف أُعْرب بإعرابه ، وهو كقولك : " أتيته/ أولَ النهار وآخرَه ونصفَ الليل " بنصبِ هذه كلِّها على الظرفِ لمَّا أضيفَتْ إليه ، وإن كانت ليسَتْ موضوعةً للظرفية .
وقرأ العامَّةُ " زُلَفاً " بضم الزاي وفتح اللام ، وهي جمعُ " زُلْفة " بسكون اللام ، نحو : غُرَف في جمع غُرْفة ، وظُلَم في جمعِ ظُلْمة . وقرأ أبو جعفر وابن أبي إسحاق بضمها ، وفي هذه القراءةِ ثلاثةُ أوجه ، أحدها : أنه جمع زُلْفة أيضاً ، والضمُّ للإِتباع ، كما قالوا بُسْرة وبُسُر بضم السين إتباعاً لضمة الباء . والثاني : أنه اسمٌ مفرد على هذه الزِّنة كعُنُق ونحوه : الثالث : أنه جمع زَلِيف ، قال أبو البقاء : " وقد نُطِق به " ، يعني أنهم قالوا : زَليف ، وفَعيل يُجمع على فُعُل نحو : رَغِيف ورُغُف ، وقَضِيب وقُضُب .
وقرأ مجاهد وابن محيصن بإسكان اللام . وفيها وجهان ، أحدهما : أنه يُحتمل أَنْ تكونَ هذه القراءةُ مخففةً مِنْ ضم العين فيكون فيها ما تقدَّم . والثاني : أنه سكونُ أصلٍ من باب اسمِ الجنس نحو : بُسْرة وبُسْر مِنْ غير إتباع .
وقرأ مجاهد وابن محيصن أيضاً في روايةٍ " وزُلْفَى " بزنة " حُبْلَى " ، جَعَلُوها على صفةِ الواحدة المؤنثة اعتباراً بالمعنى ، لأنَّ المعنى على المنزلة الزلفى ، أو الساعة الزُّلْفى ، أي : القريبة . وقد قيل : إنه يجوز أن يكونَ أَبْدلا التنوين ألفاً ثم أَجْرَيا الوصل مُجرى الوقف ، فإنهما يقرآن بسكون اللام وهو محتمَلٌ . وقال الزمخشري : " والزُّلْفى بمعنى الزُّلْفَة ، كما أن القُرْبى بمعنى القُرْبة " ، يعني أنه مما تَعَاقَبَ فيه تاءُ التأنيث وألفه .
وفي انتصاب " زُلَفاً " وجهان ، أظهرهما : أنه نسقٌ على " طرفي " فينتصب الظرف ، إذ المرادُ بها ساعات الليل القريبة . والثاني : أن ينتصبَ انتصابَ المفعول به نسقاً على الصلاة . قال الزمخشري : بعد أن ذكر القراءاتِ المتقدمة " وهو ما يقرب مِنْ آخر النهار ومن الليل ، وقيل : زُلَفاً من الليل وقُرْباً من الليل ، وحَقُّها على هذا التفسير أن تعطف على الصلاة ، أي : أقم الصلاة طرفي النهار ، وأقم زُلَفاً من الليل ، على معنى : صلوات تتقرَّب بها إلى اللَّه عز وجل في بعض الليل " .
والزُّلْفَةُ : أولُ ساعات الليل ، قاله ثعلب . وقال الأخفش وابن قتيبة : " الزُّلَف : ساعاتُ الليل وآناؤه ، وكل ساعةٍ منه زُلْفَة " فلم يُخَصِّصاه بأول الليل . وقال العجَّاج :
2729 ناجٍ طواه الأَْيْنُ مِمَّا وَجَفا *** طَيَّ الليالي زُلَفاً فَزُلَفا
سَماوَةَ الهلالِ حتى احْقَوْقَفا ***
وأصلُ الكلمة مِنْ " الزُّلْفَى " وهو القُرْب ، يقال : أَزْلَفه فازْدَلَفَ ، أي : قَرَّبه فاقتربَ . قال تعالى : *** { وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ } [ الشعراء : 64 ] وفي الحديث : " ازْدَلِفوا إلى اللَّه بركعتين " وقال الراغب : " والزُّلْفَةُ : المَنْزِلَةُ والحُظْوَة ، وقد اسْتُعْمِلت الزُّلْفَة في معنى العذاب كاستعمال البِشارة ونحوها ، والمزالِفُ ، المَراقي ، وسُمِّيَتْ ليلةَ المزدلفة لقُرْبهم مِنْ مِنى بعد الإِفاضة " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.