الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَإِلَٰهُكُمۡ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞۖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلرَّحۡمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ} (163)

قوله تعالى : { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } : خبرٌ المبتدأ ، و " واحدٌ " صفةٌ ، وهو الخبرُ في الحقيقةِ لأنه محطُّ الفائدةِ ، ألا ترى أنه لو اقْتُصِر على ما قبلَه لم يُفِدْ وهذا يُشْبِهُ الحال الموطِّئةَ نحو : مررتُ بزيد رجلاً صالحاً ، فرجلاً حالٌ وليست مقصودةً ، إنما المقصودُ وَصْفُها .

قوله : { إِلاَّ هُوَ } رفعُ " هو " على أنَّه بدلٌ من اسم " لا " على المحلِّ ، إذ محلُّه الرفعُ على الابتداءِ أو هو بَدَلٌ مِنْ " لا " وما عَمِلَتْ فيه لأنَّها وما بعدَها في محلِّ رفعٍ بالابتداء ، وقد تقدَّم تقريرُ ذلك ، ولا يجوزُ أن يكونَ " هو " خبرَ لا التبرئة لِما عَرَفْتَ أنها لا تَعْمَلُ في المعارفِ بل الخبرُ محذوفٌ أي : لا إله لنا ، هذا إذا فَرَّعنا على أنَّ " لا " المبنيَّ معها اسمُها عاملةٌ في الخبر ، أمَّا إذا جَعَلْنا الخبرَ مرفوعاً بما كان عليه قبل دخولِ لا وليس لها فيه عملٌ - وهو مذهبُ سيبويه - فكان ينبغي أَنْ يكونَ " هو " خبراً إلا أنه مَنَعَ من ذلك كونُ المبتدأِ نكرةً والخبرُ معرفةً وهو ممنوعٌ إلا في ضرائِر الشعرِ في بعضِ الأبوابِ .

واستشكل الشيخُ كونَه بدلاً مِنْ " إله " قال : " لأنه لم يُمْكِنْ تكريرُ العاملِ لا تقولُ : " لا رجلَ لا زيدَ " ، والذي يظهر لي أنه ليس بدلاً من " اله " ولا مِنْ " رجل " في قولك " لا رجلَ إلا زيدٌ ، إنما هو بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في الخبرِ المحذوفِ فإذا قُلْنا : " لا رجلَ إلا زيدٌ " فالتقدير : لا رجلَ كائنٌ أو موجودٌ إلا زيد ، فزيدٌ بدلٌ من الضميرِ المستكنِّ في الخبر لا من " رجل " ، فليس بدلاً على موضعِ اسم لا ، وإنما هو بدلٌ مرفوعٌ من ضمير مرفوع ، ذلك الضميرُ هو عائدٌ على اسم [ لا ] ، ولولا تصريحُ النَّحْويين أنَّه بدلٌ على الموضع من اسم " لا " لتأوَّلْنا كلامهم على ما تقدَّم تأويلُه " . وهذا الذي قالَه غيرُ مشكل لأنهم لم يقولوا : هو بدلٌ من اسمِ لا على اللفظِ حتى يَلْزَمَهم تكريرُ العاملِ ، وإنما كان يُشْكِلُ لو أجازوا إبدالَه من اسمِ " لا " على اللفظِ وهم لم يُجِيزوا ذلك لعدمِ إمكانِ تكريرِ العاملِ ، ولذلك مَنَعوا وجهَ البدلِ في قولِهم { لا إله إلا اللهَ } وجعلوه انتصاباً على الاستثناء ، وأجازوه في قولك : " لا رجلَ في الدارِ إلا صاحباً لك " لأنه يمكنُ فيه تكريرُ العاملِ .

قوله : { الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ } فيه أربعة أوجه ، أحدها : أن يكونَ بدلاً من " هو " بدلَ ظاهرٍ من مضمر ، إلاَّ أنَّ هذا يؤدي إلى البدلِ بالمشتقات وهو قليلٌ ، ويمكن .

الجوابُ عنه بأن هاتين الصفتين جَرَتا مجرى الجوامِد/ ولا سيما عند مَنْ يجعلُ " الرحمنُ " علماً ، وقد تقدَّم تحقيقُ ذلك في البسملة . الثاني : أن يكونَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ أي : هو الرحمنُ ، وحَسَّن حذفَه توالي اللفظ ب " هو " مرتين . الثالث : أن يكونَ خبراً ثالثاً لقولِه : " وإلهُكم " أَخْبر عنه بقولِه : " إله واحد " ، وبقولِه : " لا إله إلا هو " ، وبقولِه : " الرحمن الرحيم " ، وذلك عند مَنْ يرى تعديدَ الخبر مطلقاً ، الرابع : أن يكونَ صفةً لقولِه : " هو " وذلك عند الكسائي فإنه يُجيز وصفَ الضمير الغائبِ بصفةِ المَدْحِ ، فاشترطَ في وصفِ الضمير هذين الشرطين : أن يكونَ غائباً وأن تكونَ الصفةُ صفةَ مدحٍ ، وإنْ كانَ الشيخُ جمالُ الدين بن مالك أَطْلَقَ عنه جوازَ وصفِ ضمير الغائب . ولا يجوزُ أَنْ يكون خبراً ل " هو " هذه المذكورةِ لأنَّ المستثنى ليس بجملةٍ .