الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٞۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ} (157)

قوله تعالى : { أُولَئِكَ } : مبتدأٌ ، و " صلواتٌ " مبتدأٌ ثانٍ ، و " عليهم " خبرُه مقدَّمٌ عليه ، والجملةُ خبرُ قولِه " أولئك " ، ويجوزُ أَنْ تكونَ " صلوات " فاعلاً بقوله : " عليهم " . قال أبو البقاء : " لأنه قد قَوِيَ بوقوعِهِ خبراً . والجملةُ من قولِه : " أولئك " وما بعدَه خبرُ " الذين " على أحِد الأوجه المتقدِّمِة ، أو لا محلَّ لها على غيرِه من الأوجه ، و " قالوا " هو العاملُ في " إذا " لأنه جوابُها ، وقد تقدَّم الكلامُ في ذلك ، وتقدَّم أنها هل تقتضي التكرارَ أم لا ؟

قوله : { إِنَّا للَّهِ } " إنَّ واسمُها وخبرُها في محلِّ نَصْبٍ بالقولِ ، والأصل : إنَّنا بثلاث نوناتٍ ، فَحُذِفَتِ الأخيرةُ من إنَّ لا الأولى ، لأنه قد عُهِدَ حَذْفُها ، ولأنها طَرَفٌ والأطرافُ أَوْلَى بالحَذْفِ ، لا يُقال : " إنها لو حُذِفَتِ الثانيةُ لكانَتْ مخففةً ، والمخففةُ لا تعملُ على الأفصح فكانَ ينبغي أن تُلْغَى فينفصلَ الضميرُ المرفوعُ حينئذٍ إذ لا عمل لها فيه ، فدلَّ عَدَمُ ذلك على أنَّ المحذوفَ النونُ الأولى " لأنَّ هذا الحَذْفَ حَذْفٌ لتوالي الأمثالِ لا ذاك الحَذْفُ المعهود في " إنَّ " و " أصابَتْهم مصيبةٌ " من التجانسِ المغاير ، إذ إحدى كلمتي المادةِ اسمٌ والأخرى فِعْلٌ ، ومثلُه : { أَزِفَتِ الآزِفَةُ } [ النجم : 57 ] { وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ } [ الواقعة : 1 ] قوله : { وَرَحْمَةٌ } عَطْفٌ على الصلاة وإن كانَتْ بمعناها ، فإنَّ الصلاةَ من الله رحمةٌ لاختلافِ اللفظين كقولِه :

وقَدَّمَتِ الأدِيمَ لراهِشَيْهِ *** وأَلْفَى قولَها كَذِباً ومَيْنَا

وقوله :

أَلا حَبَّذا هِنْدٌ وأرضٌ بها هندٌ *** وهندٌ أتى مِنْ دونِها النَّأْيُ والبُعْدُ

قولُه : { مِّن رَّبِّهِمْ } فيه وجهان ، أحدهما : أنه متعلِّقٌ بمحذوفٍ لأنه صفةٌ لصلوات ، و " مِنْ " للابتداءِ ، فهو في محلِّ رفعٍ أي : صلواتٌ كائنةٌ من ربهم . والثاني : أن يتعلَّقَ بما تَضَمَنَّه قولُه " عليهم " من الفعل إذا جَعَلْناه رافعاً لصلوات رَفْعَ الفاعلِ ، فعلى الأولِ يكونُ قد حَذَفَ الصفةَ بعد " رحمة " أي : ورحمةٌ منه ، وعلى الثاني لا يَحْتاج إلى ذلك . وقولُه { وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ } نظيرُ : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } [ البقرة : 5 ] .