الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{ٱقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ} (1)

قوله : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ } : اللامُ متعلقٌ ب " اقترب " . قال الزمخشري : " هذه اللامُ لا تخلُو : إمَّا أَنْ تكونَ صلةً لاقترب ، أو تأكيداً لإِضافةِ الحسابِ إليهم كقولك : أَزِفَ للحَيِّ رحيلُهم الأصل : أَزِفَ رحيلُ الحيِّ ، ثم أَزِفَ للحيِّ الرحيلُ ، ثم أزف للحيِّ رحيلُهم ، ونحوه ما أوردَه سيبويه في باب " ما يُثَنَّى فيه المستقِرُّ توكيداً " نحو : " عليك زيدٌ حريصٌ عليك " ، و " فيك زيد راغب فيك " ، ومنه قولهم : " لا أبا لك " لأنَّ اللاَم مؤكدةٌ لمعنى الإِضافة . وهذا الوجهُ أغربُ من الأول . قال الشيخ :/ " يعني بقولِه صلةً لاقتربَ أي : متعلقةً به . وأمَّا جَعْلُه اللامَ تأكيداً لإِضافة الحسابِ إليهم مع تقدُّمِ اللامِ ودخولِها على الاسمِ الظاهرِ ، فلا نعلم أحداً يقول ذلك ، وأيضاً فتحتاج إلى ما تتعلَّقُ به . ولا يمكن تعلُّقها ب " حسابُهم " ؛ لأنه مصدرٌ موصولٌ ، لأن قُدِّم معمولُه عليه . وأيضاً فإنَّ التوكيدَ يكونُ متأخراً عن المُؤَكَّد ، وأيضاً فلو أُخِّر في هذا التركيبِ لم يَصِحَّ . وأمَّا تشبيهُه بما أورد سيبويهِ فالفرقُ واضحٌ فإنَّ " عليك " معمولٌ ل " حريصٌ " ، و " عليك " المتأخرةُ تأكيدٌ ، وكذلك " فيك زيدٌ راغبٌ فيك " يتعلَّقُ " فيك " ب " راغبٌ " ، و " فيك " الثانيةُ توكيدٌ . وإنما غَرَّه في ذلك صحةُ تركيبِ حسابِ الناس ، وكذلك " أَزِفَ رحيلُ الحيِّ " فاعتقدَ إذا تقدَّم الظاهرُ مجروراً باللامِ وأُضيف المصدرُ لضميرِه أنَّه من بابِ " فيك زيد راغب فيك " ، فليس مثلَه . وأمَّا " لا أبا لك " فهي مسألةٌ مشكلةٌ ، وفيها خلاف ، ويمكن أن يقال فيها ذلك ؛ لأنَّ اللامَ فيها جاوَرَتِ الإِضافةَ ، ولا يُقاس عليها لشذوذِها وخروجها عن الأقيسةِ " .

قلت : مسألةُ الزمخشري أشبهُ شيءٍ بمسألةِ " لا أبا لَك " ، والمعنى الذي أَوْرده صحيحٌ . وأمَّا كونُها مشكلةً فهو إنما بناها على قولِ الجمهورِ ، والمُشْكِلُ مقررٌ في بابِه ، فلا يَضُرُّنا القياسُ عليه لتقريرِه في مكانِه .

قوله : { وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ } يجوز أَنْ يكونَ الجارُّ متعلقاً بمحذوفٍ على أنَّه حالٌ من الضميرِ في " مُعْرِضُون " ، وأن يكون خبراً للضمير ، و " مُعْرِضون " خبر ثانٍ . وقولُ أبي البقاء في هذا الجارِّ " إنه خبرٌ ثانٍ " يعني في العددِ ، وإلاَّ فهو أولٌ في الحقيقة . وقد يقال : لَمَّا كان في تأويلِ المفرد جُعِل المفردُ الصريحُ مقدَّماً في الرتبةِ فهو ثانٍ بهذا الاعتبارِ . وهذه الجملةُ في محلِّ نصبٍ على الحال من " للناس " .