الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ ٱلنَّجۡوَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ ٱلسِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ} (3)

قوله : { لاَهِيَةً } : يجوزُ أَنْ تكونَ حالاً مِنْ فاعل " اسْتَمَعوه " عند مَنْ يُجيز تعدُّدَ الحالِ فتكونَ الحالان مترادِفَتَيْنِ ، وأن تكون حالاً من فاعل " يَلْعَبون " فتكونَ الحالان متداخلتين . وعَبَّر الزمخشري عن ذلك فقال : { وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ } حالان مترادفتان أو متداخلتان " وإذا جعلناهما حالَيْنِ مترادفتين ففيه تقديمُ الحالِ غيرِ الصريحة على الصريحة ، وفيه من البحثِ كما في باب النعت . و " قلوبُهم " مرفوعٌ ب " لاهِيَةً " .

والعامَّةُ على نصب " لاهِيَةً " . وابنُ أبي عبلة بالرفع على أنها خبرٌ ثانٍ بقولِه " وهم " عند مَنْ يُجَوِّز ذلك ، أو خبرُ مبتدأ محذوفٍ عند مَنْ لا يُجَوِّزه .

قوله : { وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ } يجوزُ في محلِّ " الذين " ثلاثةُ أوجهٍ : الرفعُ والنصبُ والجرُّ . فالرفعُ مِنْ أوجهٍ ، أحدها : أنه بدلٌ من واو " أَسَرُّوا " تنبيهاً على اتِّسامهم بالظلمِ الفاحش ، وعزاه ابن عطية لسيبويه ، وغيره للمبرد .

الثاني : أنه فاعلٌ . والواوُ علامةُ جمعٍ دَلَّتْ على جمعِ الفاعل ، كما تَدُلُّ التاءُ على تأنيثه ، وكذلك يفعلون في التثنية فيقولون : قاما أخواك . وأنشدوا :

يَلُوْمونني في اشتراء النَّخي *** لِ أهلي فكلُّهُمُ أَلْوَمُ

وقد تقدَّمت هذه المسألة في المائدة عند قوله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } [ الآية : 71 ] وإليه ذهب الأخفش وأبو عبيدة . وضعَّف بعضُهم هذه اللغةَ ، وبعضُهم حَسَّنها ونسبها لأزد شنوءة ، وقد تقدمت هذه المسألة في المائدة عند قوله تعالى : { ثُمَّ عَمُواْ وَصَمُّواْ كَثِيرٌ مِّنْهُمْ } .

الثالث : أن يكونَ " الذين " مبتدأً ، و " أَسَرُّوا " جملةً خبريةً قُدِّمَتْ على المبتدأ ، ويُعْزَى للكسائي .

الرابع : أن يكون " الذين " مرفوعاً بفعلٍ مقدرٍ فقيل تقديره : يقولُ الذين . واختاره النحاس قال : " والقول كثيراً ما يُضْمَرُ . ويَدُلُّ عليه قولُه بعد ذلك : { هَلْ هَذَآ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ } . وقيل : تقديرُه : أَسَرَّها الذين ظلموا .

الخامس : أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه : هم الذين ظلموا .

السادس : أنه مبتدأٌ . وخبرُه الجملةُ من قوله : { هَلْ هَذَآ إِلاَّ بَشَرٌ } ولا بُدَّ من إضمار القولِ على هذا القول تقديرُه : الذين ظلموا يقولون : هل هذا إلاَّ بَشَرٌ ، والقولُ يُضمر كثيراً .

والنصبُ مِنْ وجهين ، أحدُهما : الذمُّ . الثاني : إضمار أعني . والجرُّ من وجهين أيضاً : أحدهما : النعت ، والثاني : البدلُ ، من " للناس " ، ويُعْزَى هذا للفراءِ ، وفيه بُعْدٌ .

قوله : { هَلْ هَذَآ } إلى قوله : { تُبْصِرُونَ } يجوز في هاتَيْن الجملتين الاستفهاميتين أَنْ يكونا في محلِّ نصب بدلاً من " النجوى " ، وأَنْ يكونا في محلِّ نصبٍ بإضمار القول . قالهما الزمخشريُّ ، وأَنْ يكونا في محلِّ نصبٍ على أنهما محكيَّتان بالنجوى ، لأنها في معنى القولِ . { وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ } جملةٌ حاليةٌ مِنْ فاعل " تَأْتُون " .