الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَجَعَلۡنَا ٱبۡنَ مَرۡيَمَ وَأُمَّهُۥٓ ءَايَةٗ وَءَاوَيۡنَٰهُمَآ إِلَىٰ رَبۡوَةٖ ذَاتِ قَرَارٖ وَمَعِينٖ} (50)

قوله : { وَمَعِينٍ } : صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي : وماءٍ مَعِيْنٍ . وفيه أحدهما : أنَّ ميمَه زائدةٌ ، وأصله مَعْيُوْن أي : مُبْصَرٌ بالعينِ ، فأُعِلَّ إعْلالَ " مبيع " وبابه ، وهو مثلُ قولِهم " كَبَدْتُه " أي ضربْتُ كَبِدَه ، ورَأَسْتُه أي : أصبتُ رأسَه ، وعِنْته أي : أدركتُه بعيني . ولذلك أدخلَه الخليلُ في مادة ع ي ن . والثاني : أن الميمَ أصليةٌ ، ووزنُه فَعيل مشتقٌّ من المَعْن . واختُلِف في المَعْن فقيل : هو الشيءُ القليلُ ومنه الماعُون . وقيل : هو مِنْ مَعَنَ الشيءُ مَعانَةً أي كَثُر . قال جرير :

إنَّ الذين غَدَوْا بِلُبِّك غادَروا *** وَشَلاً بعينِك لا يَزال مَعيناً

وقال الراغب : " وهو مِنْ مَعَن الماءُ : جرى " وسمَّى مجاري الماءِ مُعْنان . " وأمعنَ الفرس : تباعَدَ في عَدْوِه ، وأَمْعَنَ بحقي ذهبَ به ، وفلان مَعَنٌ في حاجته " . يعني سريعاً . قلت : كلُّه راجعٌ إلى معنى الجَرْيِ والسُّرْعة .