الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَلَّا تَعۡلُواْ عَلَيَّ وَأۡتُونِي مُسۡلِمِينَ} (31)

قوله : { أَلاَّ تَعْلُواْ } : فيه أوجهٌ ، أحدُها : أنَّ " أنْ " مفسِّرةٌ ، كما تقدَّمَ في أحد الأوجهِ في " أنْ " قبلَها في قراءةِ عكرمة ، ولم يذكُرْ الزمخشريُّ غيرَه . وهو وجهٌ حسنٌ لِما في ذلك من المشاكلةِ : وهو عطفُ الأمرِ عليه وهو قولُه " وَأْتُوْني " .

والثاني : أنها مصدرية في محلِّ رفعٍ بدلاً مِنْ " كتاب " كأنه قيل : أُلْقِيَ إليَّ : أَنْ لا تَعْلُوا عليَّ .

والثالث : أنها في موضعِ رفعٍ على خبرِ ابتداءٍ مضمرٍ أي : هو أَنْ لا تَعْلُوا . والرابع : أنَّها على إسقاطِ الخافضِ أي : بأَنْ لا تَعْلُوا ، فيجيْءُ في موضِعها القولان المشهوران . والظاهر أنَّ " لا " في/ هذه الأوجهِ الثلاثة للنهيِ . وقد تقدَّم أنَّ " أَنْ " المصدريةَ تُوْصَلُ بالمتصرفِ مطلقاً . وقال الشيخ : " وأَنْ في قولِه : " أن لا تَعْلُوا عليَّ " في موضع رفعٍ على البدلِ من " كتاب " . وقيل : في موضعِ نصبٍ على [ معنى ] : بأن لا تَعْلُوا . وعلى هذين التقديرين تكون " أنْ " ناصبةً للفعل " . قلت : وظاهرُ هذا أنها نافيةٌ ؛ إذ لا يُتَصَوَّرُ أَنْ تكونَ ناهيةً بعد " أَنْ " الناصبةِ للمضارع . ويؤيِّد هذا ما حكاه عن الزمخشريِّ فإنه قال : " وقال الزمخشريُّ : وأنْ في " أَنْ لا تَعْلُوا " مفسرةٌ " قال : " فعلى هذه تكون " لا " في " لا تَعْلُوا " للنهي ، وهو حسنٌ لمشاكلة عطفِ الأمرِ عليه " . فقوله : " فعلى هذا " إلى آخره صريحٌ أنها على غيرِ هذا يعني الوجهين المتقدمين ليست للنهي فيهما . ثم القولُ بأنَّها للنفيِ لا يَظْهَرُ ؛ إذ يصيرُ المعنى على الإِخبارِ منه عليه السلامُ بأنهم لا يَعْلُون عليه ، وليس هذا مقصوداً ، وإنما المقصودُ أَنْ يَنْهاهُمْ عن ذلك .

وقرأ ابن عباس والعقيلي " تَغْلُوا " بالغين مُعْجمةً من الغُلُوِّ وهو مجاوَزَةُ الحَدِّ .