قوله : «أَلاَّ تَعْلوا » فيه أوجه :
أحدها : أن «أَنْ » مفسرة كما تقدم في أحد الأوجه في «أَنْ » قبلها في قراءة عكرمة{[38893]} ، ولم يذكر الزمخشري غيره{[38894]} ، وهو وجه حسن ، لما في ذلك من المشاكلة{[38895]} ، وهو عطف الأمر عليه ، وهو قوله : «وَأْتُونِي »{[38896]} .
الثاني : أنها مصدرية في محل رفع بدلاً من «كِتَاب » ، كأنّه قيل : ألقي إليَّ أن لا تعلُوا عَلَيَّ{[38897]} .
الثالث : أنها في موضع رفع على خبر ابتداء مضمر ، أي هو أن لا تعلوا{[38898]} .
الرابع : أنها على إسقاط الخافض ، أي : بأن لا تعلوا{[38899]} ، فيجيء في موضعها القولان المشهوران{[38900]} .
والظاهر أن «لا » في هذه الأوجه الثلاثة للنهي ، وقد تقدّم أن «أَنْ » المصدرية توصل بالمتصرف{[38901]} مطلقاً . وقال أبو حيان : و «أَنْ » في قوله : { أَن لاَّ تَعْلُواْ } في موضع رفع{[38902]} على البدل من «كتاب » ، وقيل في موضع نصب على : { بأَنْ لاَّ تَعْلُوا } ، وعلى هذين التقديرين تكون «أن » ناصبة للفعل{[38903]} . فظاهر هذا أنّها نافية ، إذ لا يتصور أن تكون ناهية بعد «أن » الناصبة للمضارع ، ويؤيّد هذا ما حكاه عن الزمخشري ، فإنّه قال : وقال الزمخشري : و «أن » في أن لا تَعْلُوا مفسرة{[38904]} ، قال : فَعَلَى هذا تكون «لا » في : «لاَ تَعْلُوا » للنهي ، وهو حسن لمشاكلة عطف الأمر عليه{[38905]} فقوله : «فعلى هذا » : إلى آخره صريح بأنّها على غير هذا يعني الوجهين المتقدمين ليس للنهي فيهما{[38906]} ، ثم القول بأنّها للنفي لا يظهر ، إذ يصير المعنى - على الإخبار منه عليه السلام - بأنّهم لا يعلون عليه ، وليس هذا مقصوداً ، وإنّما المقصود أن ينهاهم عن ذلك .
وقرأ ابن عباس والعقيلي : «تغلوا » - بالغين المعجمة{[38907]} ، من الغلو ، وهو مجاوزة الحد .
قال ابن عباس : «لا تتكبروا عليَّ »{[38908]} ، وقيل : لا تتعظموا ولا ترتفعوا عليَّ أي : لا تمتنعوا من الإجابة ، فإنّ ترك الإجابة من العلوّ والتكبر ، «وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ » : مؤمنين طائعين{[38909]} ، قيل : هو من الإسلام{[38910]} ، وقيل : من الاستسلام{[38911]} . فإنْ قيل : النهي عن الاستعلاء والأمر بالانقياد قبل إقامة الدلالة على كونه رسولاً حقاً يدل على الاكتفاء بالتقليد .
فالجواب : معاذ الله أن يكون هناك تقليد ؛ وذلك لأنّ رسول سليمان إلى بلقيس الهدهد ، ورسالة الهدهد معجزة ، والمعجزة تدل على وجود الصانع وصفاته ، وتدل على صدق المُدَّعِي للرسالة ، فلمَّا كانت تلك الرسالة دلالة تامة على التوحيد والنبوة ، لا جرم لم يذكر في الكتاب دليل آخر{[38912]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.