الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ} (1)

قوله : { إِذَا هَوَى } : في العاملِ في هذا الظرفِ أوجهٌ ، وعلى كلٍ فيها إشكال . أحدُ الأوجهِ : أنه منصوبٌ بفعل القسمِ المحذوفِ تقديرُه : أُقْسِمُ بالنجم وقتَ هُوِيِّه ، قاله أبو البقاء وغيرُه . وهو مُشْكِلٌ فإن فِعْلَ القسمِ إنشاءٌ ، والإِنشاءُ حالٌ ، و " إذا " لِما يُسْتقبل من الزمان فكيف يتلاقيان ؟ الثاني : أنَّ العاملَ فيه مقدرٌ على أنَّه حالٌ من النجم أي : أُقْسِم به حالَ كونِه مستقراً في زمانِ هُوِيِّه . وهو مُشْكِلٌ مِنْ وجهين ، أحدهما : أن النجم جثةٌ ، والزمانُ لا يكونُ حالاً عنها كما لا يكونُ خبراً عنها . والثاني : أنَّ " إذا " للمستقبلِ فكيف يكونُ حالاً ؟ وقد أُجيب عن الأول : بأنَّ المرادَ بالنجم القطعةُ من القرآن ، والقرآنُ قد نَزَلَ مُنَجَّماً في عشرين سنةً . وهذا تفسيرُ ابن عباس وغيرِه . وعن الثاني : بأنها حالٌ مقدرةٌ . الثالث : أنَّ العاملَ فيه نفسُ النجم إذا أُريد به القرآنُ ، قاله أبو البقاء . وفيه نظرٌ ؛ لأنَّ القرآنَ لا يَعْمل في الظرف إذا أُريد به أنه اسمٌ لهذا الكتابِ المخصوص . وقد يُقال : إن النجمَ بمعنى المُنَجَّم كأنه قيل : والقرآنِ المنجَّمِ في هذا الوقتِ . وهذا البحثُ وارِدٌ في مواضعَ منها { وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا } [ الشمس : 1 ] وما بعدَه ، وقولُه : { وَالْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَى } [ الليل : 1 ] ، { وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى } [ الضحى : 1 ] . وسيأتي في الشمس بحثٌ أخصُّ مِنْ هذا تقف عليه إنْ شاء الله تعالى . وقيل : المراد بالنجم هنا الجنسُ وأُنْشد :

فباتَتْ تَعُدُّ النجمَ في مُسْتَحيرةٍ *** سريعٍ بأيدي الآكلين جمودُها

أي : تَعُدُّ النجومَ ، وقيل : بل المرادُ نجمٌ معين . فقيل : الثُّريَّا . وقيل : الشِّعْرَى لذِكْرِها في قوله : { وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى } [ النجم : 49 ] . وقيل : الزُّهْرة لأنها كانت تُعْبَدُ . والصحيح أنها الثريَّا ، لأنَّ هذا صار عَلَماً بالغَلَبة . ومنه قولُ العرب : " إذا طَلَعَ النجمُ عِشاءً ابتغى الراعي كِساءً " . وقالوا أيضاً : " طَلَعَ النجمُ غُدْيَة فابتغى الراعي كُسْيَة " . وهَوَى يَهْوي هُوِيّاً أي : سقط من علو ، وهَوِي يَهْوَى هَوَىً أي : صَبَا . وقال الراغب : " الهُوِيُّ سقوطٌ مِنْ عُلُوّ " . ثم قال : والهُوِيُّ : ذهابٌ في انحدارٍ . والهوى : ذهابٌ في ارتفاع وأَنْشد :

/4122 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** يَهْوي مخارِمَها هُوِيَّ الأجدَلِ

وقيل : هَوَى في اللغة خَرَقَ الهوى ، ومَقْصَدُه السُّفْلُ ، أو مصيرُه إليه وإن لم يَقْصِدْه . قال :4123

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** هُوِيَّ الدَّلْوِ أسْلَمَها الرِّشاءُ

وقد تقدَّم الكلامُ في هذا مُشْبَعاً .