الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{۞أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ} (16)

قوله : { أَن تَخْشَعَ } : فاعلُ " يَأْنِ " ، أي : ألم يَقْرُبْ خشوعُ قلوبِهم . واللامُ قال أبو البقاء : " للتبيين " فعلى هذا تتعلَّق بمحذوفٍ ، أي : أَعْني الذينَ ، ولا حاجةَ إليه . والعامة " أَلَمْ " . والحسن وأبو السَّمَّال " ألَمَّا " وقد عَرَفْتَ الفرقَ بين الحرفين ممَّا تقدَّم . والعامَّةُ أيضاً " يَأْنِ " مضارعَ أنَى ، أي : حان وقَرُبَ مثل : رمى يَرْمي . والحسن " يَئِنْ " مضارع آن بمعنى حانَ أيضاً مثل : باع يبيع .

قوله : { وَمَا نَزَلَ } قرأ نافع وحفص " نَزَل " مخففاً مبنياً للفاعلِ . وباقي السبعةِ كذلك إلاَّ أنه مشدَّدٌ . والجحدري وأبو جعفر والأعمش وأبو عمروٍ في روايةٍ " نُزِّلَ " مشدَّداً مبنياً للمفعولِ . وعبد الله " أَنْزَل " مبنياً للفاعلِ هو الله تعالى . و " ما " في " ما نَزَلَ " مخففاً يتعيَّنُ أَنْ تكونَ اسميةً . ولا يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً ؛ لئلا يَخْلو الفعلُ من الفاعل ، وما عداها يجوزُ أَنْ تكونَ مصدريةً ، وأَنْ تكونَ بمعنى الذي . فإن قلتَ : وقراءةُ الجحدريِّ ومَنْ معه ينبغي أَنْ تكونَ فيها اسميةً ، لئلا يخلوَ الفعلُ مِنْ مرفوعٍ . فالجواب : أنَّ الجارَّ وهو قولُه " من الحق " يقوم مَقامَ الفاعل .

والعامَّةُ على الغيبة في " ولا يَكونوا " جَرْياً على ما تقدَّم . وأبو حيوة وابنُ أبي عبلة بالتاء مِنْ فوقُ على سبيل الالتفات . ثم هذا يُحْتمل أَنْ يكونَ منصوباً عطفاً على " تَخْشَعَ " كما في قراءةِ الغَيْبة وأَنْ يكونَ نهياً ، فتكونَ " لا " ناهيةً والفعلُ مجزومٌ بها . ويجوزُ أَنْ يكونَ نهياً في قراءة الغَيْبة أيضاً ، ويكونُ ذلك انتقالاً إلى نهيِ أولئك المؤمنين عن كونِهم مُشْبِهين لمَنْ تَقَدَّمهم نحو : لا يَقُمْ زيدٌ .

قوله : { الأَمَدُ } العامَّةُ على تخفيف الدال بمعنى العامَّة كقولك : أَمَدُ فلانٍ ، أي : غايتُه . وابن كثير في روايةٍ بتشديدِها وهو الزمنُ الطويلُ .