قوله تعالى : { إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } : استثناء مفرغ أي : لا تَقْرَبُوه إلا بالخَصْلة الحسنى ، فيجوز أن يكون حالاً ، وأن يكون نعت مصدر ، وأتى بصيغة التفضيل تنبيهاً على أنه يَتَحَرَّى في ذلك ، ويَفْعل الأحسنَ ولا يَكْتفي بالحسن .
قوله : { حَتَّى يَبْلُغَ } هذه غايةٌ من حيث المعنى فإن المعنى : احفظوا ما لَه حتى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ولو/ جعلناه غاية للفظ كان التقدير : لا تقربوه حتى يبلغَ فاقربوه ، وليس ذلك مراداً .
والأَشَدُّ : اختلف النحويون فيه على خمسة أقوال فقيل : هو جمع لا واحد له ، وهو قول الفراء فإنه قال : " الأشدُّ واحدها " شَدّ " في القياس ولم أسمع لها بواحد " ، وقيل : هو مفردٌ لا جمعٌ ، نقل ابن الأنباري عن بعض أهل اللغة ذلك ، وأنه بمنزلة الآنُك ، ونَقَلَ الشيخ عنه أن هذا الوجه مختاره في آخرين ، ثم قال : " وليس بمختار لفقدان أَفْعُل في المفردات وضَْعاً " وقيل : هو جمع " شِدَّة " ، وفِعْلة يجمع على أَفْعُل كنِعْمَة وأنعُم ، قاله أبو الهيثم وقال : " وكأن الهاء في الشدة والنعمة لم تكن في الحرف إذ كانت زائدة ، وكان الأصل نِعم وشِدّ فجمعا على أَفْعُل كما قالوا : رجل وأرجُل وقدح وأقْدُح وضِرس وأضرُس . وقيل : هو جمع شُد بضم الشين نقله ابن الأنباري عن بعض البصريين قال : " كقولك : هو وُدٌّ ، وهم أَوَدّ . وقيل : هو جمع شَدّ بفتحها وهو محتمل . والمراد هنا ببلوغ الأشد بلوغ الحُلُمِ في قول الأكثر لأنه مَظِنَّة ذلك . وقيل : هو مبلغ الرجال من الحيلة والمعرفة . وقيل : هو أن يبلغ خمسة عشر إلى ثلاثين . وقيل : أن يبلغ ثلاثة وثلاثين . وقيل : أربعين . وقيل : ستين ، وهذه لا تليق بهذه الآية ، إنما تليق بقوله تعالى { حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً } [ الأحقاف : 15 ] . والأَشَدُّ : مشتق من الشِدَّة وهي القوة والجَلادة ، وأنشد الفراء :
قد ساد وهو فتىً حتى إذا بلغت *** أَشُدُّهُ وعلا في الأمر واجتمعا
وقيل : أصله من الارتفاع ، مِنْ شَدَّ النهارُ إذا ارتفع وعلا ، قال عنترة :
عهدي به شَدَّ النهار كأنما *** خُضِبَ البَنانُ ورأسُه بالعِظْلِمِ
والكَيْل والميزان : هما الآلة التي يُكال بها ويوزن ، وأصل الكيل المصدر ثم أطلق على الآلة . والميزان : مِفْعال من الوَزْن لهذه الآلة كالمصباح والمقياس لما يُستصبح به ويُقاس ، وأصل ميزان مِوْزان ففُعِلَ به ما فُعِلَ بميقات وقد تقدم في البقرة .
و " بالقسط " حال من فاعل " أَوْفوا " أي : أوفوهما مُقْسِطين أي : ملتبسين بالقسط ، ويجوز أن يكون حالاً من المفعول أي : أوفوا الكيل والميزان متلبسين بالقسط أي تامَّين . وقال أبو البقاء : " والكَيْلُ هنا مصدر في معنى المكيل ، وكذلك الميزان . ويجوز أن يكون فيه حذف مضاف ، تقديره : مكيل الكيل وموزون الميزان " ، ولا حاجة إلى ما ادَّعاه من وقوع المصدر موقع اسم المفعول ولا من تقدير المضاف لأن المعنى صحيح بدونهما ، وأيضاً فميزان ليس مصدراً إلا أنه يعضُد قولَه ما قاله الواحدي فإنه قال : " والميزان أي : وزن الميزان لأن المراد إتمام الوزن لا إتمام الميزان ، كما أنه قال " وأَوْفوا الكيل " ولم يقل المِكْيال فهو من باب حذف المضاف " انتهى .
والظاهرُ عدم الاحتياج إلى ذلك وكأنه لم يعرف أن الكيل يُطْلق على نفس المكيال حتى يقول " ولم يقل المكيال " .
قوله { لاَ نُكَلِّفُ } معترض بين هذه الأوامر ، وقوله " ولو كان " أي : ولو كان المقول له والمقول عليه ذا قرابة . وقد تقدَّم نظير هذا التركيب مراراً . وقوله " وبعهدِ الله " يجوز أن يكونَ من باب إضافة المصدر لفاعله أي : بما عاهدكم الله عليه ، وأن يكون مضافاً لمفعوله أي : بما عاهدتم الله عليه كقوله { صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ اللَّهَ عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ]
{ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ اللَّهَ } [ الفتح : 10 ] وأن تكون الإِضافة لمجرد البيان أضيف إلى الله من حيث إنه الآمرُ بحفظه ، والمراد به العهد الواقع بين الآيتين .
وخُتِمَت هذه بالتذكُّر لأنَّ الأربعة قبلها خفيَّةٌ تحتاج إلى إعمال فكر ونظر حتى يقفَ متعاطيها على العدل فناسبها التذكُّر ، وهذا بخلاف الخمسة الأشياء فإنها ظاهرة بحسبِ تعقُّلها وتفهُّمها فلذلك خُتِمَت بالفعل . وتَذَكَّرون حيث وقع يقرؤه الأخوان وعاصم في رواية حفص بالتخفيف ، والباقون بالتشديد والأصل : تتذكرون ، فَمَنْ خَفَّفَ حَذَفَ إحدى الياءين ، وهل هي تاء المضارعة أو تاء التفعُّل ؟ خلاف مشهور . ومَنْ ثقَّل أدغم التاء/ في الذال .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.