الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَقَدۡ ذَرَأۡنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرٗا مِّنَ ٱلۡجِنِّ وَٱلۡإِنسِۖ لَهُمۡ قُلُوبٞ لَّا يَفۡقَهُونَ بِهَا وَلَهُمۡ أَعۡيُنٞ لَّا يُبۡصِرُونَ بِهَا وَلَهُمۡ ءَاذَانٞ لَّا يَسۡمَعُونَ بِهَآۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَٱلۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡغَٰفِلُونَ} (179)

قوله تعالى : { لِجَهَنَّمَ } : يجوز في هذه اللام وجهان ، أحدهما : أنها لامُ الصيرورة والعاقبة ، وإنما احتاج هذا القائلُ إلى كونها لامَ العاقبة لقوله تعالى { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } [ الذاريات : 56 ] فهذه علةٌ معتبرةٌ محصورة ، فكيف تكون هذه العلةُ أيضاً ؟ وأوردوا من ذلك قول الشاعر :

لِدُوا للموت وابْنُوا للخراب *** . . . . . . . . . . . . . .

وقول الآخر :

ألا كلُّ مولودٍ فللموتِ يُوْلَدُ *** ولستُ أرى حَيّاً لحيٍّ يُخَلَّدُ

وقول الآخر :

فللموتِ تَغْذُو الوالداتُ سِخالَها *** كما لخرابِ الدور تُبْنَى المساكنُ

والثاني : أنها للعلةِ وذلك أنهم لمَّا كان مآلُهم إليها جعل ذلك سبباً على طريق المجاز .

وقد ردَّ ابن عطية على مَنْ جعلها لامَ العاقبة فقال : " وليس هذا بصحيح ، ولامُ العاقبة إنما تُتَصَوَّر إذا كان فعل الفاعل لم يُقْصد مصيرُ الأمر إليه ، وأما هنا فالفعل قُصِد به ما يصير الأمر [ إليه ] مِنْ سُكْناهم لجهنم " ، واللام على هذا متعلقة ب " ذَرَأْنا " . ويجوز أن تتعلق بمحذوف على أنه حال من " كثيراً " لأنه في الأصل صفة لها لو تأخر . ولا حاجة إلى ادعاء قلب وأن الأصل : ذَرَأْنا جهنم لكثير لأنه ضرورةٌ أو قليلٌ .

و { مِّنَ الْجِنِّ } صفة ل " كثيراً " . " لهم قلوب " جملة في محل نصب : إمَّا صفة لكثير أيضاً ، وإمَّا حالاً من " كثيراً " وإن كان نكرة لتخصُّصِه بالوصف ، أو من الضمير المستكن في " من الجن " لأنه يَحْمل/ ضميراً لوقوعِه صفةً . ويجوز أن يكون " لهم " على حِدَته هو الوصف أو الحال ، و " قلوب " فاعل به فيكون من باب الوصفِ بالمفرد وهو أولى . وقوله : { لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا } وكذلك الجملةُ المنفيَّةُ في محلِّ النعت لما قبلها ، وهذا الوصفُ يكاد يكونُ لازماً لو ورد في غير القرآن لأنه لا فائدةَ بدونه لو قلت : " لزيد قَلْبٌ وله عينٌ " وسَكَتَّ لم يظهر لذلك كبيرُ فائدةٍ .