الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلِلَّهِ ٱلۡأَسۡمَآءُ ٱلۡحُسۡنَىٰ فَٱدۡعُوهُ بِهَاۖ وَذَرُواْ ٱلَّذِينَ يُلۡحِدُونَ فِيٓ أَسۡمَـٰٓئِهِۦۚ سَيُجۡزَوۡنَ مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ} (180)

قوله تعالى : { الْحُسْنَى } : فيها قولان ، أظهرهما : أنها تأنيث " أحسن " ، والجمع المكسَّرُ لغير العاقل يجوز أن يُوْصَفَ بما يوصف به المؤنث نحو : مآرب أخرى ، ولو طُوبق به لكان التركيب الحَسَن كقوله :

{ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ البقرة : 184 ] . والثاني : أن الحسنى مصدر على فُعْلَى كالرُّجْعَى والبُقْيَا قال :

ولا يَجْزون مِنْ حُسْنى بسوءٍ *** . . . . . . . . . . . . . . . .

و " الأسماء " هنا : الألفاظُ الدالَّةُ على الباري تعالى كالله والرحمن . وقال ابن عطية : " المرادُ بها التسمياتُ إجماعاً من المتأولين لا يمكن غيره ، وفيه نظرٌ لأنَّ التسمية مصدرٌ ، والمصدر لا يُدْعى به على كلا القولين في تفسير الدعاء ، وذلك أن معنى " فادعوه " نادوه بها ، كقولهم : يا الله يا رحمان يا ذا الجلال والإِكرام اغفرْ لنا . وقيل : سمُّوه بها كقولك : " سَمَّيْت ابني بزيد " .

قوله : { يُلْحِدُونَ } قرأ حمزة هنا وفي النحل وحم السجدة : يَلْحدون بفتح الياء والحاء مِنْ لحد ثلاثياً . والباقون بضم الياء وكسرِ الحاء مِنْ أَلْحد . فقيل : هما بمعنى واحد ، وهو المَيْل والانحراف . ومنه لَحْد القبر لأنه يُمال ، بحفره إلى جانبه ، بخلاف الضريح فإنه يُحْفر في وسطه ، ومن كلامهم " ما فعل الواجد ؟ قالوا لَحَدَه اللاحد " . وإلى كونهما بمعنى واحد ذهب ابن السِّكِّيت وقال : " هما العدول عن الحق " . وأَلْحد أكثر استعمالاً مِنْ لَحَدَ قال :

ليس الإِمام بالشحيح المُلْحِدِ ***

وقال غيره : " لَحَدَ بمعنى رَكَنَ وانضوى ، وألحد : مال وانحرف " قاله الكسائي . ونُقل عنه أيضاً : أَلْحَدَ : أعرض ، ولحد : مال . قالوا : ولهذا وافق حمزة في النحل إذ معناه : يميلون إليه .

وروى أبو عبيدة عن الأصمعي : " ألحد : مارى وجادل ، ولحد : حاد ومال . ورُجِّحت قراءةُ العامة بالإِجماع على قوله " بإلحاد " . وقال الواحدي : " ولا يكاد يُسْمع من العرب لاحد " . قلت : فامتناعُهم من مجيء اسم فاعل الثلاثي يدل على قلَّته وقد قَدَّمْتُ من كلامهم " لحده اللاحِد " . ومعنى الإِلحاد فيها أن اشتقوا منها أسماءً لآلهتهم فيقولون : اللات من لفظ الله ، والعزَّى من لفظ العزيز ، ومناة مِنْ لفظ المَنَّان ، ويجوز أن يُراد سَمَّوه بما لا يليق بجلاله .