الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَٱلۡبَلَدُ ٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗاۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡأٓيَٰتِ لِقَوۡمٖ يَشۡكُرُونَ} (58)

والبلد يُطْلَقُ على كل جزءٍ من الأرض عامراً كان أو خراباً ، وأنشدوا على ذلك قولَ الأعشى :

وبلدةٍ مثلِ ظَهْر التُّرْسِ مُوْحشةٍ *** للجنِّ بالليل في حافاتِها زَجَلُ

و { بِإِذْنِ رَبِّهِ } يجوز أن تكونَ الباءُ سببيةً أو حاليةً . وقوله : " إلا نَكِداً " فيه وجهان أحدُهما : أن ينتصب حالاً أي عَسِراً مُبْطئاً . يقال منه نَكِد يَنْكَد نَكَداً بالفتح فهو نَكِد بالكسر . والثاني : أن ينتصب على أنه نعتُ مصدرٍ محذوف أي : إلا خروجاً نَكَداً . وَصَفَ الخروجَ بالنَّكَد كما يوصف به غيرُه ، ويؤيِّده قراءة أبي جعفر ابن القعقاع " إلا نَكَداً " بفتح الكاف . قال الزجاج : " وهي قراءةُ أهل المدينة " وقراءة ابن مصرِّف " إلا نَكْداً " بالسكون وهما مصدران . وقال مكي : " هو تخفيف نَكِد بالكسر مثل كَتْف في كتِف " يقال : رجل نَكِد وأَنْكد . والمَنْكُود : العطاء النَّزْر ، وأنشدوا في ذلك :

وأَعْطِ ما أَعْطَيْتَه طَيِّباً *** لا خيرَ في المَنْكودِ والناكد

وأنشدوا أيضاً :

لا تُنْجزِ الوعدَ إنْ وَعَدْتَ وإنْ *** أَعْطَيْتَ أَعْطَيْتَ تافِهاً نَكِدا ؟

وقوله : { كَذلِكَ نُصَرِّفُ } كما تقدَّم في نظيره . وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر : " يُخْرَج " مبنياً للمفعول . " نباتُه " مرفوعاً لقيامِه مَقامَ الفاعل وهو الله تعالى . وقوله : { وَالَّذِي خَبُثَ } صفةٌ لموصوفٍ محذوفٍ أي : والبلد الذي خَبُث ، وإنما حُذِف لدلالةِ ما قبلَه عليه ، كما أنه قد حُذِف منه الجارُّ في قوله " بإذن ربه " ، إذ التقديرُ : والبلد الذي خَبُث لا يَخْرُج بإذن ربه إلا نكداً . ولا بد من مضاف محذوف : إمَّا من الأول تقديره : وبيان الذي خَبُث لا يَخْرُج ، وإمَّا من الثاني تقديرُه : والذي خَبُث لا يخرج نباته إلا نكداً . وغايَر بين الموصولين فجاء بالأول بالألف واللام ، وفي الثاني جاء بالذي ، ووُصِلَتْ بفعل ماضٍ .