و " عَيْناً " فيها من الوجوه ما تقدَّمَ .
قوله : { سَلْسَبِيلاً } : السَّلْسَبيل : ما سَهُل انحدارُه في الحَلْف . قال الزجاج : " هو في اللغة صفةٌ لِما كان في غايةِ السَّلاسَة " . وقال الزمخشري : " يقال : شَرابٌ سَلْسَلٌ وسَلْسالٌ وسَلْسبيل ، وقد زِيْدت الباءُ في التركيبِ حتى صارَتِ الكلمةُ خماسيَّةً ، ودَلَّتْ على غايةِ السَّلاسَةِ " . قال الشيخ : " فإنْ كان عَنى أنَّه زِيْدت حقيقةً فليس بجيدٍ ؛ لأنَّ الباءَ ليسَتْ من حروف الزيادةِ المعهودةِ في علمِ النحوِ ، وإنْ عَنَى أنها حرفٌ جاء في سِنْخِ الكلمةِ ، وليس في سَلْسَل ولا سَلْسال فَيَصِحُّ ، ويكون مما اتَّفَقَ معناه ، وكان مختلفاً في المادة " . وقال ابن الأعرابي : " لم أسمَعْ السَّلْسبيلَ إلاَّ في القرآنِ " . وقال مكي : " هو اسمٌ أعجميُّ نكرةٌ ، فلذلك صُرِفَ " .
ووزن سَلْسَبيل : فَعْلَلِيْل مثلَ " دَرْدَبيس " . وقيل : فَعْفَليل ؛ لأنَّ الفاءَ مكررةٌ . وقرأ طلحةُ " سَلْسَبيلَ " دونَ تنوينٍ ومُنِعَتْ من الصرف للعلميَّةِ والتأنيث ؛ لأنها اسمٌ لعَيْنٍ بعينها ، وعلى هذا فكيف صُرِفَتْ في قراءةِ العامَّةِ ؟ فيُجاب : بأنُّه سُمِّيَتْ بذلك لا على جهة العَلَمِيَّة بل على جهة الإطلاقِ المجرَّدِ ، أو يكونُ مِنْ بابِ تنوين
{ سَلاَسِلَ } [ الإِنسان : 4 ] { قَوَارِيرَاْ } [ الإِنسان : 15 ] وقد تقدَّمَ . وأغربُ ما قيل في هذا الحرف أنه مركبٌ من كلمَتَيْن : مِنْ فعلِ أمرٍ وفاعلٍ مستترٍ ومفعولٍ . والتقدير : سَلْ أنت سَبيلا إليها . قال الزمخشري : " وقد عَزَوْا إلى عليٍّ رضي الله عنه أنَّ معناه : سَلْ سبيلاً إليها " . قال : " وهذا غيرُ مستقيمٍ على ظاهِره ، إلاَّ أنْ يُرادَ أنَّ جملةَ قولِ القائلِ " سَلْ سبيلاً " جَعِلَتْ عَلَماً للعين ، كما قيل : تأبَّط شَرَّاً وذَرَّى حبَّا . وسُمِّيت بذلك لأنه لا يَشْرَبُ منها إلاَّ مَنْ سأل سبيلاً إليها بالعمل الصالِح ، وهو مع استقامتِه في العربية تكلُّفٌ وابتداعٌ وعَزْوُه إلى مثلِ عليّ عليه السلام أَبْدَعُ . وفي شعرِ بعضِ المُحْدَثين :
سَلْ سبيلاً فيها إلى راحةِ النَّفْ *** سِ براحٍ كأنَّها سَلْسَبيلُ
قال الشيخ بعد تعجُّبِه مِنْ هذا القول : " وأَعْجَبُ مِنْ ذلك توجيهُ الزمخشريِّ له واشتغالُه بحكايتِه " . قلت : ولو تأمَّل ما قاله الزمخشريُّ لم يَلُمْه ، ولم يتعجَّبْ منه ؛ لأنَّ الزمخشري هو الذي شَنَّعَ على هذا القولِ غاية التشنيع . وقال أبو البقاء : " والسلسبيلُ كلمةٌ واحدةٌ " . وفي قوله : " كلمة واحدة " تلويحٌ وإيماءٌ إلى هذا الوجهِ المذكور .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.