قوله تعالى : { لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً } : العامَّةُ على " عُدّة " بضم العين وتاء التأنيث وهي الزَّادُ والراحلةُ وجميعُ ما يَحْتاج إليه المسافرُ .
وقرأ محمد بن عبد الملك بن مروان وابنهُ معاوية " عُدَّةُ " كذلك إلا أنه جعل مكان تاء التأنيث هاء ضمير غائب تعود على الخروج . واختُلِف في تخريجِها فقيل : أصلُها كقراءة الجمهور بتاء التأنيث ، ولكنهم يحذفونها للإِضافةِ كالتنوين . وجعل الفراء من ذلك قولَه تعالى : { وَإِقَامَ الصَّلاَة }
[ النور : 37 ] ، ومنه قولُ زهير :
2488 إنَّ الخَلِيْطَ أجَدُّوا البَيْنَ فانْجَرَدُوا *** وأَخْلَفُوك عِدَ الأمرِ الذي وَعدُوا
يريد : عِدَّة الأمرِ . وقال صاحب " اللوامح " : لمَّا أضافَ جعل الكناية نائبةً عن التاء فأسقطها ؛ وذلك لأنَّ العُدَّ بغير تاء ولا تقديرها هو الشيء الذي يخرج في الوجه " . وقال أبو حاتم : " هو جمع عُدَّة ك بُرّ جمع بُرّة ، ودُرّ جمع دُرَّة ، والوجهُ فيه عُدَد ، ولكن لا يوافق خطَّ المصحف .
وقرأ زر بن حبيش وعاصم في رواية أبان " عِدَّهُ " بكسر العين مضافةً إلى هاءِ الكناية . قال ابن عطية : " وهو عندي اسمٌ لِما يُعَدُّ كالذِّبْح والقِتلْ . وقُرىء أيضاً " عِدَّة " بكسر العين وتاء التأنيث ، والمرادُ عدة من الزاد والسلاح مشتقاً من العَدَد .
قوله : { وَلَكِن كَرِهَ اللَّهُ } الاستدراكُ هنا يحتاجُ إلى تأمل ؛ ولذلك قال الزمخشري : " فإن قلت : كيف موقعُ حرفِ الاستدراك ؟ قلت : لمَّا كان قولُه { وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ } معطياً نفيَ خروجهم واستعدادهم للغزو قيل : ولكنْ كره الله [ انبعاثَهم ] ، كأنه قيل : ما خرجوا ولكن تَثَبَّطوا عن الخروج لكراهةِ انبعاثهم ، كما [ تقول : ما ] أحسن زيدٌ إليَّ ولكن أساء إليّ " انتهى . يعني أن ظاهر الآية يقتضي أنَّ ما بعد " لكن " موافقٌ لما قبلها ، وقد تقرَّر فيها أنها لا تقع إلا بين ضدين أو نقيضين أو خلافين على/ خلاف في هذا الأخير فلذلك احتاج إلى الجواب المذكور .
قال الشيخ : " وليست الآيةُ نظيرَ هذا المثال يعني : ما أحسن زيداً إليّ ولكن أساء ، لأن المثالَ واقعٌ فيه " لكن " بين [ ضدَّيْن ، والآيةُ واقعٌ فيها " لكن " بين ] متفقين من جهة المعنى " ، قلت : مُرَادُهم بالنقيضين النفيُ والإِثبات لفظاً وإن كانا يتلاقيان في المعنى ، ولا يُعَدُّ ذلك اتفاقاً .
والتَّثْبيطُ : التَّعْويق . يقال : ثَبَّطْتُ زيداً أي : عُقْتُه عَمَّا يريده من قولهم : ناقة ثَبِطَة أي بطيئة السير . والمراد بقوله " اقعدوا " التَّخْلية وهو كنايةٌ عن تباطُئِهم ، وأنهم تشبهوا بالنساء أو الصبيان والزَّمْنى وذوي الأعذار ، وليس المراد قعوداً كقوله :
2489 دَعِ المكارِم لا تَقْصِدْ لبُغْيَتها *** واقعُدْ فإنَّك أنت الطاعِمُ الكاسي
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.