الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالٗا وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَٰلَكُمۡ يَبۡغُونَكُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ} (47)

قوله تعالى : { لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم } : أي : في جيشكم وفي جمعكم . وقيل : " في " بمعنى مع ، أي : معكم . وتقدَّم تفسير " الخبال " في آل عمران .

وقوله : { إِلاَّ خَبَالاً } جَوَّزوا فيه أن يكون استثناء متصلاً وهو مفرَّغٌ ؛ لأنَّ " زاد " يتعدى لاثنين . قال الزمخشري : " المستثنى منه غيرُ مذكور ، فالاستثناءُ من أعمِّ العام الذي هو الشيء ، فكان استثناء متصلاً فإن الخَبال بعضُ أعمِّ العام كأنه قيل : ما زادوكم شيئاً إلا خبالاً " . وجَوَّزوا فيه أن يكونَ منقطعاً والمعنى : ما زادوكم قوة ولا شدةً ولكنْ خبالً ، وهذا يجيءُ على قول مَنْ قال إنه لم يكن في عَسْكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خَبال ، كذا قال الشيخ . وفيه نظرٌ ؛ لأنه إذا لم يكن في العَسْكر خبالٌ أصلاً فكيف يُستثنى شيءٌ لم يكنْ ولم يُتوهَّم وجوده ؟

قوله : { خِلاَلَكُمْ } منصوبٌ على الظرفِ . والخِلال : جمع خَلَل وهو الفُرْجَةُ بين الشيئين ويُستعار في المعاني فيُقال : في هذا الأمر خَلل .

والإِيُضاع : الإِسْراع يُقال : أَوْضَعَ البعيرُ ، أي : أسرع في سَيْره قال امرؤ القيس :

2490 أرانا مُوضِعينَ لأَِمْرِ غيبٍ *** ونُسْحَرُ بالطعامِ والشراب

وقال آخر :

2491 - يا لَيْتَني فيها جَذَعْ *** أَخُبُّ فيها وأَضَعْ

ومفعول " أوضعوا " محذوف ، أي : أوضعوا ركائبهم لأنَّ الراكبَ أسرعُ من الماشي . ويُقال : وَضَعَتْ الناقةُ تَضَعُ : إذا أَسْرعت ، وأوضعتها أنا . وقرأ ابن أبي عبلة { ما زادَكم إلا خَبالاً } ، أي : ما زادكم خروجهم . وقرأ مجاهد ومحمد بن زيد : " ولأَوْفَضوا " وهو الإِسراع أيضاً من قوله تعالى : { إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ } [ المعارج : 43 ] ، وقرأ ابن الزبير " وَلأَرْفَضُوا " بالراء والفاء والضاد المعجمة مِنْ رَفَضَ ، أي : أسرع أيضاً ، قال حسان :

2492 بزجاجةٍ رَقَصَتْ بما في جَوْفِها *** رَقْصِ القَلوصِ براكبٍ مستعجِلِ

وقال :

2493 . . . . . . . . . . . . . . . . *** والراقصاتِ إلى مِنَىً فالغَبْغَبِ

يُقال : رَفَضَ في مِشْيته رَفْضاً ورَفَضاناً .

قوله : { يَبْغُونَكُمُ } في محلِّ نصبٍ على الحال من فاعل " أَوْضَعوا " ، أي : لأَسْرَعوا فيما بينكم حالَ كونهم باغين ، أي : طالبين الفتنةَ لكم .

قوله : { وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ } هذه الجملةُ يجوز أن تكون حالاً من مفعول " يَبْغُونكم " أو مِنْ فاعله ، وجاز ذلك لأن في الجملة ضميريهما . ويجوز أن تكونَ مستأنفةً ، والمعنى : أنَّ فيكم مَنْ يَسْمع لهم ويُصْغِي لقولِهم . ويجوز أن يكونَ المرادُ : وفيكم جواسيسُ منهم يسمعون لهم الأخبارَ منكم ، فاللامُ على الأول للتقوية لكون العاملِ فرعاً ، وفي الثاني للتعليل ، أي : لأجلهم .

ورُسِم في المصحف { ولا أَوْضَعُوا خلالكم } بألف بعد " لا " ، قال الزمخشري : " كانت الفتحة تُكْتب ألفاً قبل الخط العربي ، والخط العربي اخترع قريباً من نزول القرآن ، وقد بقي من ذلك أثرٌ في الطباع فكتبوا صورةَ الهمزةِ ألفاً وفتحتَها ألفاً أخرى ، ونحوه ، { أَوْ لا أَذْبَحَنَّهُ } [ النمل : 21 ] يعني في زيادة ألف بعد " لا " ، وهذا لا يجوزُ القراءة به ، ومَنْ قرأه متعمداً يكفر .