تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَلَمَّا جَآءَ أَمۡرُنَا نَجَّيۡنَا هُودٗا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَنَجَّيۡنَٰهُم مِّنۡ عَذَابٍ غَلِيظٖ} (58)

وقوله تعالى : ( وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً ) قوله : ( جاء أمرنا ) أمر تكوين لا أمر يقتضي الساعة كقوله : ( إنما أمره إذا أٍراد شيئا أن يقول له كن فيكون )[ يس : 82 ] فعلى ذلك هذا هو أمر تكوين ، وقد ذكرناه .

وقوله تعالى : ( نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا ) هذا يدل أن من نجا فإنما نجا برحمة منه ، لا بعلمه .

وعلى ذلك روي في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله ، قيل : ولا أنت يا رسول /242-أ/ الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته »[ مسلم2816/71 و . . و2818/78 ] لا على ما يقول المعتزلة : إن من نجا فإنما ينجو بعلمه لا برحمته .

ثم يحتمل قوله : ( برحمة منا ) [ وجهين :

أحدهما ][ في الأصل وم : وجوها ] : الرحمة ههنا [ هود أي رحمهم به حين بعثه ][ في الأصل وم : هودا أي رحمهم به حيث بعث ] إليهم رسولا ، فنجا من اتبعه . فإن كان هذا ففيه أن أهل الفترة معاقبون في حال لأنه أخبر أن من نجا فإنما نجا بهود ، فدل أنهم معاقبون قبل بعث الرسل إليهم .

والثاني[ في الأصل وم : ويحتمل ] : قوله ( برحمة منا ) أي بتوفيق منا إياهم نجا من نجا منهم .

[ وقوله تعالى ][ في الأصل وم : والثالث ] : ( وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ ) قال بعضهم : نجيناه من العذاب الذي أهلك هؤلاء . ويحتمل أن يكون على الوعد أي ينجيهم في الآخرة ( من عذاب غليظ ) .