قال الزمخشري : لما استعداه ووصفاه بالإحسان افترض ذلك ، فوصف يوسف نفسه بما هو فوق علم العلماء ، وهو الإخبار بالغيب ، وأنه ينبئهما بما يحمل إليهما من الطعام في السجن قبل أن يأتيهما ، ويصفه لهما ويقول : اليوم يأتيكما طعام من صفته كيت وكيت ، فيجدانه كما أخبرهما ، ويجعل ذلك تخليصاً إلى أن يذكر لهما التوحيد ، ويعرض عليهما الإيمان ويزينه لهما ، ويقبح لهما الشرك بالله ، وهذه طريقة على كل ذي علم أن يسلكها مع الجهال والفسقة إذا استفتاه واحد منهم أن يقدم الإرشاد والموعظة والنصيحة أولاً ، ويدعوه إلى ما هو أولى به وأوجبه عليه مما استفتى فيه ، ثم يفتيه بعد ذلك .
وفيه أن العالم إذا جهلت منزلته في العلم فوصف نفسه بما هو بصدده ، وغرضه أن يقتبس منه ، وينتفع به في الدين ، لم يكن من باب التزكية بتأويله ببيان ماهيته وكيفيته ، لأنّ ذلك يشبه تفسير المشكل والإعراب عن معاينة انتهى .
وهذا الذي قاله الزمخشري يدل على أن إتيان الطعام يكون في اليقظة ، وهو قول ابن جريج قال : أراد يوسف لا يأتيكما في اليقظة ترزقانه إلا نبأتكما منه بعلم ، وبما يؤول إليه أمركما أن يأتيكما ، فعلى هذا أراد أن يعلمهم أنه يعلم مغيبات لا تتعلق بالرؤيا ، وهذا على ما روي أنه نبىء في السجن .
وقال السدي وابن إسحاق ، لما علم من تعبير منامه رأى الخبز أنها تؤذن بقتله ، أخذ في غير ذلك الحديث تنسية لهما أمر المنام ، وطماعية في أيمانهما ، ليأخذ المقتول بحظه من الإيمان ، وتسلم له آخرته فقال لهما معلناً بعظيم علمه للتعبير : إنه لا يجيئكما طعام في يومكما تريان أنكما رزقتماه ألا أعلمتكما بتأويل ذلك الطعام أي : بما يؤول إليه أمره في اليقظة ، قبل أن يظهر ذلك التأويل الذي أعلمكما به .
فروى أنهما قالا له : ومن أين لك ما تدعيه من العلم وأنت لست بكاهن ولا منجم ؟ فقال لهما : ذلك مما علمني ربي .
والظاهر أن قوله لا يأتيكما إلى آخره ، أنه في اليقظة ، وأن قوله : مما علمني ربي دليل على أني إذ ذاك كان نبياً يوحى إليه .
والظاهر أن قوله : إني تركت ، استئناف إخبار بما هو عليه ، إذ كانا قد أحباه وكلفا بحبه وبحسن أخلاقه ، ليعلمهما ما هو عليه من مخالفة قومهما فيتبعاه .
وفي الحديث : « لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم » وعبر بتركت مع أنه لم يتشبث بتلك الملة قط ، إجراء للترك مجرى التجنب من أول حالة ، واستجلاباً لهما لأن يتركا تلك الملة التي كانا فيها .
ويجوز أن يكون إني تركت تعليلاً لما قبله أي : علمني ذلك ، وأوحي إلي لأني رفضت ملة أولئك ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.