البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{قَالَ ٱجۡعَلۡنِي عَلَىٰ خَزَآئِنِ ٱلۡأَرۡضِۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٞ} (55)

ولما وصفه الملك بالتمكن عنده ، والأمانة ، طلب من الأعمال ما يناسب هذين الوصفين فقال : اجعلني على خزائن الأرض أي : ولني خزائن أرضك إني حفيظ أحفظ ما تستحفظه ، عليم بوجوه التصرف .

وصف نفسه بالأمانة والكفاءة وهما مقصود الملوك ممن يولونه ، إذ هما يعمان وجوه التثقيف والحياطة ، ولا خلل معهما لقائل .

وقيل : حفيظ للحساب ، عليم بالألسن .

وقيل : حفيظ لما استودعتني ، عليم بسني الجوع .

وهذا التخصيص لا وجه له ، ودلّ إثناء يوسف على نفسه أنه يجوز للإنسان أن يثني على نفسه بالحق إذا جهل أمره ، ولا يكون ذلك التزكية المنهي عنها .

وعلى جواز عمل الرجل الصالح للرجل التاجر بما يقتضيه الشرع والعدل ، لا بما يختاره ويشتهيه مما لا يسيغه الشرع ، وإنما طلب يوسف هذه الولاية ليتوصل إلى إمضاء حكم الله ، وإقامة الحق ، وبسط العدل ، والتمكن مما لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد ، ولعلمه أن غيره لا يقوم مقامه في ذلك .

فإنْ كان الملك قد أسلم كما روى مجاهد فلا كلام ، وإن كان كافراً ولا سبيل إلى الحكم بأمر الله ودفع الظلم إلا بتمكينه ، فللمتولي أن يستظهر به .

وقيل : كان الملك يصدر عن رأي يوسف ولا يعترض عليه في كل ما رأى ، فكان في حكم التابع .

وما زال قضاة الإسلام يتولون القضاء من جهة من ليس بصالح ، ولولا ذلك لبطلت أحكام الشرع ، فهم مثابون على ذلك إذا عدلوا .