البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُواْ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ وَلَئِن صَبَرۡتُمۡ لَهُوَ خَيۡرٞ لِّلصَّـٰبِرِينَ} (126)

وإن عاقبتم أطبق أهل التفسير أن هذه الآية مدنية نزلت في شأن التمثيل بحمزة وغيره في يوم أحد ، ووقع ذلك في صحيح البخاري ، وفي كتاب السير .

وذهب النحاس إلى أنها مكية ، والمعنى متصل بما قبلها اتصالاً حسناً ، لأنها تتدرج الذنب من الذي يدعي ، وتوعظ إلى الذي يجادل ، إلى الذي يجازى على فعله ، ولكن ما روى الجمهور أثبت انتهى .

وذهبت فرقة منهم ابن سيرين ومجاهد : إلى أنها نزلت فيمن أصيب بظلامة أنْ لا ينال من ظالمه إذا تمكن إلا مثل ظلامته لا يتعداها إلى غيرها ، وسمى المجازاة على الذنب معاقبة لأجل المقابلة ، والمعنى : قابلوا من صنع بكم صنيع سوء بمثله ، وهو عكس : { ومكروا ومكر الله } المجاز في الثاني وفي : وإنْ عاقبتم في الأول .

وقرأ ابن سيرين : وإنْ عقبتم فعقبوا بتشديد القافين أي : وإنْ قفيتم بالانتصار فقفوا بمثل ما فعل بكم .

والظاهر عود الضمير إلى المصدر الدال عليه الفعل مبتدأ بالإضافة إليهم أي : لصبركم وللصابرين أي : لكم أيها المخاطبون ، فوضع الصابرين موضع الضمير ثناء من الله عليهم بصبرهم على الشدائد ، وبصبرهم على المعاقبة .

وقيل : يعود إلى جنس الصبر ، ويراد بالصابرين جنسهم ، فكأنه قيل : والصبر خير للصابرين ، فيندرج صبر المخاطبين في الصبر ، ويندرجون هم في الصابرين .

ونحوه : { فمن عفا وأصلح } { وأن تعفوا أقرب للتقوى }