البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{۞يَوۡمَ تَأۡتِي كُلُّ نَفۡسٖ تُجَٰدِلُ عَن نَّفۡسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ} (111)

يوم منصوب على الظرف ، وناصبه رحيم ، أو على المفعول به ، وناصبه اذكر .

والظاهر عموم كل نفس ، فيجادل المؤمن والكافر ، وجداله بالكذب والجحد ، فيشهد عليهم الرسل والجوارح ، فحينئذ لا ينطقون .

وقالت فرقة : الجدال قول كل أحد من الأنبياء وغيرهم : نفسي نفسي .

قال ابن عطية : وهذا ليس بجدال ولا احتجاج ، إنما هو مجرد رغبة .

واختار الزمخشري هذا القول ، وركب معه ما قبله فقال : كأنه قيل يوم يأتي كل إنسان يجادل عن ذاته لا يهمه شأن غيره ، كل يقول : نفسي نفسي .

ومعنى المجادلة الاعتذار عنها كقولهم : { هؤلاء أضلونا ما كنا مشركين } { ما كنا مشركين } ونحو ذلك .

وقال : يقال لعين الشيء وذاته نفسه ، وفي نقيضه غيره ، والنفس الجملة كما هي ، فالنفس الأولى هي الجملة ، والثانية عينها وذاتها .

وقال ابن عطية : أي كل ذي نفس ، ثم أجرى الفعل على المضاف إليه المذكور ، فأثبت العلامة .

ونفس الأولى هي النفس المعروفة ، والثانية هي بمعنى البدن كما تقول : نفس الشيء وعينه أي ذاته .

وقال العسكري : الإنسان يسمي نفساً تقول العرب : ما جاءني إلا نفس واحدة أي : إنسان واحد .

والنفس في الحقيقة لا تأتي ، لأنها هي الشيء الذي يعيش به الإنسان انتهى .