البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَلَهُۥ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَلَهُ ٱلدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيۡرَ ٱللَّهِ تَتَّقُونَ} (52)

وصب الشيء دام ، قال أبو الأسود الدؤلي :

لا أبتغي الحمد القليل بقاؤه ***يوماً بذمّ الدهر أجمع واصبا

وقال حسان :

غيرته الريح يسفى به . . . ***وهزيم رعده واصب

والعليل وصيب ، لكنّ المرض لازم له .

وقيل : الوصب التعب ، وصب الشيء شق ، ومفازة واصبة بعيدة لا غاية لها .

ثم التفت من التكلم إلى ضمير الغيبة فأخبر تعالى : أنّ له ما في السموات والأرض ، لأنه لما كان هو الإله الواحد الواجب لذاته كان ما سواه موجوداً بإيجاده وخلقه ، وأخبر أنّ له الدين واصباً .

قال مجاهد : الدين الإخلاص .

وقال ابن جبير : العبادة .

وقال عكرمة : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقامة الحدود والفرائض .

وقال الزمخشري وابن عطية : الطاعة ، زاد ابن عطية : والملك .

وأنشد :

في دين عمرو وحالت بيننا فدك . . .

أي : في طاعته وملكه .

وقال الزمخشري : أوله الحداد أي : دائماً ثابتاً سرمداً لا يزول ، يعني الثواب والعقاب .

وقال ابن عباس ، وعكرمة ، والحسن ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، وابن زيد ، والثوري : واصباً دائماً .

قال الزمخشري : والواصب الواجب الثابت لأن كل نعمة منه بالطاعة واجبة له على كل منعم عليه ، وذكر ابن الأنباري أنه من الوصب وهو التعب ، وهو على معنى النسب أي : ذا وصب ، كما قال : أضحى فؤادي به فاتناً ، أي ذا فتون .

قال الزمخشري : أو وله الدين ذا كلفة ومشقة ، ولذلك سمى تكليفاً انتهى .

وقال الزجاج : يجوز أن يكون المعنى : وله الدين والطاعة رضي العبد بما يؤمر به وسهل عليه أم لا يسهل فله الدين ، وإن كان فيه الوصب .

والوصب : شدّة التعب .

وقال الربيع بن أنس : واصباً خالصاً .

قال ابن عطية : والواو في وله ما في السموات والأرض عاطفة على قوله : إله واحد ، ويجوز أن تكون واو ابتداء انتهى .

ولا يقال واو ابتداء إلا لواو الحال ، ولا يظهر هنا الحال ، وإنما هي عاطفة : فإما على الخبر كما ذكر أولاً فتكون الجملة في تقدير المفرد لأنها معطوفة على الخبر ، وإما على الجملة بأسرها التي هي : إنما هي إله واحد ، فيكون من عطف الجمل .

وانتصب واصباً على الحال ، والعامل فيها هو ما يتعلق به المجرور .

أفغير الله استفهام تضمن التوبيخ والتعجب أي : بعدما عرفتم وحدانيته ، وأن ما سواه له ومحتاج إليه ، كيف تتقون وتخافون غيره ولا نفع ولا ضر يقدر عليه ؟