ثقف الشيء : إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة ، ومنه : رجل ثقف سريع الأخذ لأقرانه ، ومنه : فأما تثقفهم في الحرب وقول الشاعر :
وقال ابن عطية : { ثقفتموهم } أحكمتم غلبتهم ، يقال : رجل ثقف لقف إذا كان محكماً لما يتناوله من الأمور . انتهى .
ويقال : ثقف الشيء ثقافة إذا حذقه ، ومنه أخذت الثقافة بالسيف ، والثقافة أيضاً حديدة تكون للقوَّاس والرمَّاح يقوم بها المعوج ، وثقف الشيء : لزمه ، وهو ثقف إذا كان سريع العلم ، وثقفته : قوّمته ، ومنه الرماح المثقفة ، أي : المقومة وقال الشاعر :
ذكرتك والخطِّيُّ يخطر بيننا***
وقد نهلت منا المثقَّفَةُ السمرُ
{ واقتلوهم حيث ثقفتموهم } ضمير المفعول عائد على : الذين يقاتلونكم ، وهذا أمر بقتلهم ، و : حيث ثقفتموهم ، عام في كل مكان حل أو حرم ، ويلزم منه عموم الأزمان ، في شهر الحرام وفي غيره ، وفي ( المنتخب ) أمر في الآية : الأولى بالجهاد بشرط إقدام الكفار على المقاتلة ، وفي هذه الآية زاد في التكليف .
فأمر بالجهاد معهم سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، واستثنى منه المقاتلة عند المسجد الحرام . انتهى .
وليس كما قال : إنه زاد في التكليف فأمر بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا ، لأن الضمير عائد على : الذين يقاتلونكم ، فالوصف باقٍ إذْ المعنى : واقتلوا الذين يقاتلونكم حيث ثقفتموهم ، فليس أمراً بالجهاد سواء قاتلوا أم لم يقاتلوا .
قال ابن إسحاق : نزلت هذه الآية في شأن عمرو بن الحضرمي حين قتله وافد بن عبد الله التميمي ، وذلك في سرية عبد الله بن جحش .
{ وأخرجوهم من حيث أخرجوكم } أي : من المكان الذي أخرجوكم منه ، يعني مكة ، وهو أمر بالإخراج أمر تمكين ، فكأنه وعد من الله بفتح مكة ، وقد أنجز ما وعد ، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة بمن لم يسلم معهم ، و : مِنْ حيثُ ، متعلق بقوله : وأخرجوهم ، وقد تصرف في : حيث ، بدخول حرف الجر عليها : كمن ، والباء ، وفي ، وبإضافة لدى إليها .
وضمير النصب في : أخرجوكم ، عائد على المأمورين بالقتل ، والإخراج ، وهو في الحقيقة عائد على بعضهم ، جعل إخراج بعضهم ، وهو أجلهم قدراً رسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون ، إخراجاً لكلهم .
{ والفتنة أشدّ من القتل } في الفتنة هنا أقوال .
أحدها : الرجوع إلى الكفر أشدّ من أن يقتل المؤمن ، قاله مجاهد .
وكانوا قد عذبوا نفراً من المؤمنين ليرجعوا إلى الكفر ، فعصمهم الله .
والكفر بالله يقتضي العذاب دائماً ، والقتل ليس كذلك ، وكان بعض الصحابة قتل في الشهر الحرام ، فاستعظم المسلمون ذلك .
الثاني : الشرك ، أيّ : شركهم بالله أشدّ حرماً من القتل الذي عيروكم به في شأن ابن الحضرمي .
الثالث : هتك حرمات الله منهم أشدّ من القتل الذي أبيح لكم أيها المؤمنون أن توقعوه بهم .
الرابع : عذاب الآخرة لهم أشدّ من قتلهم المسلمين في الحرم ومنه : { ذوقوا فتنتكم } { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات } أي : عذبوهم .
الخامس : الإخراج من الوطن لما فيه من مفارقة المألوف والأحباب ، وتنغيص العيش دائماً ، ومنه قول الشاعر :
لموت بحدّ السيف أهون موقعاً***
السادس : أن يراد فتنتهم إياكم بصدّكم عن المسجد الحرام ، أشدّ من قتلكم إياهم في الحرم ، أو من قتلهم إياكم ، إن قتلوكم ، فلا تبالوا بقتالهم ، قاله الزمخشري ، وهو راجع لمعنى القول الثالث .
السابع : تعذيبهم المسلمين ليرتدوا ، قاله الكسائي .
وأصل الفتنة عرض الذهب على النار لاستخلاصه من الغش ، ثم صار يستعمل في الامتحان ، وإطلاقه على ما فسر به في هذه الاقوال شائع ، والفتنة والقتل مصدران لم يذكر فاعلهما ، ولا مفعولهما ، وإنما أقرَّ أن ماهية الفتنة أشدّ من ماهية القتل ، فكل مكان تتحقق فيه هذه النسبة كان داخلاً في عموم هذه الأخبار سوآء كان المصدر فاعله أو مفعوله : المؤمنون أم الكافرون ، وتعيين نوع مّا من أفراد العموم يحتاج إلى دليل .
{ ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه } هو أن يبدأهم بالقتال في هذا الموطن حتى يقع ذلك منهم فيه ، قال مجاهد : وهذه الآية محكمة لا يجوز قتال أحد في المسجد الحرام إلاَّ بعد أن يقاتل .
وبه قال طاووس ، وأبو حنيفة ؛ وقال الربيع : منسوخة بقوله : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة }
وقال قتادة بقوله : { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } والنسخ قول الجمهور ، وقد تقدم طرف من الكلام في هذا النسخ ، في هذه الآية .
وقرأ حمزة ، والكسائي والأعمش : ولا تقتلوهم ، وكذلك حتى يقتلوكم فإن قتلوكم ، من القتل ، فيحتمل المجاز في الفعل ، أي : ولا تأخذوا في قتلهم حتى يأخذوا في قتلكم ، ويحتمل المجاز في المفعول ، أي : ولا تقتلوا بعضهم حتى يقتلوا بعضكم ، فإن قتلوا بعضكم ، يقال : قتلنا بنو فلان ، يريد قتل بعضنا وقال :
ونظيره : قتل { معه ربيون كثير } فأوهنوا أي : قتل معهم أناس من الربيين ، فاوهن الباقون ، والعامل في عند : ولا تقاتلوهم ، و : حتى ، هنا للغاية ، وفيه متعلق بيقاتلوكم ، والضمير عائد على عند ، تعدى الفعل إلى ضمير الظرف فاحتيج في الوصول إليه إلى : في ، هذا ، ولم يتسع فتعدى الفعل إلى ضمير الظرف تعديته للمفعول به الصريح ، لا يقال : إن الظرف إذا كان غير متصرف لا يجوز أن يتعدى الفعل إلى ضميره بالاتساع ، لأن ظاهره لا يجوز فيه ذلك ، بل الاتساع جائز إذ ذاك .
ألا ترى أنه يخالفه في جره بغي وإن كان الظاهر لا يجوز فيه ذلك ؟ فكذلك يخالفه في الاتساع .
فحكم الضمير إذ ذاك ليس كحكم الظاهر .
{ فإن قاتلوكم فاقتلوهم } هذا تصريح بمفهوم الغاية ، وفيه محذوف .
أي : فإن قاتلوكم فيه فاقتلوهم فيه ، ودل على إرادته سياق الكلام .
ولم يختلف في قوله : فاقتلوهم ، أنه أمر بقتلهم على ذلك التقدير ، وفيه بشارة عظيمة بالغلبة عليهم ، أي : هم من الخذلان وعدم النصرة بحيث أمرتم بقتلهم لا بقتالهم ، فأنتم متمكنون منهم بحيث لا يحتاجون إلاّ إلى إيقاع القتل بهم ، إذا ناشبوكم القتال لا إلى قتالهم .
{ كذلك جزاء الكافرين } الكاف في موضع رفع لأنها خبر عن المبتدأ الذي هو خبر الكافرين .
المعنى : جزاء الكافرين مثل ذلك الجزاء ، وهو القتل ، أي : من كفر بالله تعالى فجزاؤه القتل ، وفي إضافة الجزاء إلى الكافرين إشعار بعلية القتل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.