البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{ٱللَّهُ وَلِيُّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُخۡرِجُهُم مِّنَ ٱلظُّلُمَٰتِ إِلَى ٱلنُّورِۖ وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡلِيَآؤُهُمُ ٱلطَّـٰغُوتُ يُخۡرِجُونَهُم مِّنَ ٱلنُّورِ إِلَى ٱلظُّلُمَٰتِۗ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلنَّارِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ} (257)

اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ ءامَنُواْ يُخْرِجُهُم مّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ الولي هنا الناصر والمعين أو المحب أو متولى أمورهم ومعنى آمنوا أرادوا أن يؤمنوا والظلمات هنا الكفر والنور الإيمان قاله قتادة والضحاك والربيع قيل وجمعت الظلمات لاختلاف الضلالات ووحد النور لأن الإيمان واحد

والإخراج هنا إن كان حقيقة فيكون مختصاً بمن كان كافراً ثم آمن وإن كان مجازاً فهو مجاز عن منع الله إياهم من دخولهم في الظلمات قال الحسن معنى يخرجهم يمنعهم وإن لم يدخلوا والمعنى أنه لو خلا عن توفيق الله لوقع في الظلمات فصار توفيقه سبباً لدفع تلك الظلمة قالوا ومثل هذه الاستعارة شائع سائغ في كلامهم كما قال طفيل الغنوي فإن تكنِ الأيام أحسنَّ مرة

إليّ فقد عادت لهنّ ذنوب

قال الواقدي كل شيء في القرآن من الظلمات والنور فإنه أراد به الكفر والإيمان غير التي في الأنعام وهو وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ فإنه أراد به الليل والنهار

وقال الواسطي يخرجهم من ظلمات نفوسهم إلى آدابها كالرضا والصدق والتوكل والمعرفة والمحبة

وقال أبو عثمان يخرجهم من ظلمات الوحشة والفرقة إلى نور الوصلة والإلفة

وقال الزمخشري آمنوا أرادوا أن يؤمنوا تلطف بهم حتى يخرجهم بلطفه وتأييده من الكفر إلى الإيمان أو الله ولي المؤمنين يخرجهم من الشبه في الدين إن وقعت لهم بما يهديهم ويوفقهم لها من حلها حتى يخرجوا منها إلى نور اليقين

انتهى .

فيكون على هذا القول : آمنوا على حقيقته .

{ والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات } قال مجاهد ، وعبدة بن أبي لبابة ، نزلت في قوم آمنوا بعيسى ، فلما جاء محمد عليه السلام كفروا به ، فذلك إخراجهم من النور إلى الظلمات .

وقال الكلبي يخرجونهم من إيمانهم بموسى عليه السلام واستفتاحهم بمحمد صلى الله عليه وسلم إلى كفرهم به ، وقيل : من فطرة الإسلام ، وقيل : من نور الإقرار بالميثاق ، وقيل : من الإقرار باللسان إلى النفاق .

وقيل : من نور الثواب في الجنة إلى ظلمة العذاب في النار .

وقيل : من نور الحق إلى ظلمة الهوى .

وقيل : من نور العقل إلى ظلمة الجهل .

وقال الزمخشري : من نور البينات التي تظهر لهم إلى ظلمات الشك والشبهة .

وقال ابن عطية : لفظ الآية مستغن عن التخصيص ، بل هو مترتب في كل أمة كافرة آمن بعضها كالعرب ، وذلك أن كان من آمن منهم فالله وليه ، أخرجه من ظلمة الكفر إلى نور الإيمان ، ومن كفر بعد وجود الداعي ، النبي المرسل ، فشيطانه ومغويه كأنه أخرجه من الإيمان ، إذ هو معد ، وأهل للدخول فيه ، وهذا كما تقول لمن منعك الدخول في أمر : أخرجتني يا فلان من هذا الأمر ، وإن كنت لم تدخل فيه ألبتة . انتهى .

والمراد بالطاغوت : الصنم ، لقوله : { رب أنهنّ أضللن كثيراً من الناس } وقيل : الشياطين والطاغوت اسم جنس .

وقرأ الحسن : الطواغيت بالجمع .

وقد تباين الإخبار في هاتين الجملتين ، فاستفتحت آية المؤمنين باسم الله تعالى ، وأخبر عنه بأنه ولي المؤمنين تشريفاً لهم إذ بدئ في جملتهم باسمه تعالى ، ولقربه من قوله : { والله سميع عليم } واستفتحت آية الكافرين بذكرهم نعياً عليهم ، وتسمية لهم بما صدر منهم من القبيح .

ثم أخبر عنهم بأن أولياءهم الطاغوت ، ولم يصدّر الطاغوت استهانة به ، وأنه مما ينبغي أن لا يجعل مقابلاً لله تعالى ، ثم عكس الإخبار فيه فابتدأ بقوله : أولياؤهم ، وجعل الطاغوت خبراً .

كأن الطاغوت هو مجهول .

أعلم المخاطب بأن أولياء الكفار هو الطاغوت ، والأحسن في : يخرجهم ويخرجونهم أن لا يكون له موضع من الإعراب ، لأنه خرج مخرج التفسير للولاية ، وكأنه من حيث إن الله ولي المؤمنين بين وجه الولاية والنصر والتأييد ، بأنها اخراجهم من الظلمات إلى النور ، وكذلك في الكفار .

وجوّزوا أن يكون : يخرجهم ، حالاً والعامل فيه : ولي ، وأن يكون خبراً ثانياً ، وجوّزوا أن يكون : يخرجونهم ، حالاً والعامل فيه معنى الطاغوت .

وهو نظير ما قاله أبو عليّ : من نصب : نزّاعة ، على الحال ، والعامل فيها : لظى ، وسنذكره في موضعه ان شاء الله و : من ، و : إلى ، متعلقان بيخرج .

{ أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } تقدّم تفسير هذه الجملة فأغنى عن إعادته .

/خ257