البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَأَجۡمِعُواْ كَيۡدَكُمۡ ثُمَّ ٱئۡتُواْ صَفّٗاۚ وَقَدۡ أَفۡلَحَ ٱلۡيَوۡمَ مَنِ ٱسۡتَعۡلَىٰ} (64)

الصف : موضع المجمع قاله أبو عبيدة ، وسمي المصلى الصف وعن بعض العرب الفصحاء ما استطعت أن آتي الصف أي المصلى ، وقد يكون مصدراً ويقال جاؤوا صفاً أي مصطفين .

وحكى تعالى عنهم في متابعة فرعون في قوله { فجمع كيده } قوله { فأجمعوا كيدكم } وقيل : هو من كلام فرعون ، والظاهر أنه من كلام السحرة بعضهم لبعض .

وقرأ الجمهور { فأجمعوا } بقطع الهمزة وكسر الميم من أجمع رباعياً أي اعزموا واجعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا ولا يتخلف واحد منكم كالمسألة المجمع عليها .

وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم بوصل الألف وفتح الميم موافقاً لقوله { فتولى فرعون فجمع كيده } وتقدم الكلام في جمع وأجمع في سورة يونس في قصة نوح عليه السلام .

وتداعوا إلى الإتيان { صفاً } لأنه أهيب في عيون الرائين ، وأظهر في التمويه وانتصب { صفاً } على الحال أي مصطفين أو مفعولاً به إذ هو المكان الذي يجتمعون فيه لعيدهم وصلواتهم .

وقرأ شبل بن عباد وابن كثير في رواية شبل عنه ثم ايتوا بكسر الميم وإبدال الهمزة ياء تخفيفاً .

قال أبو علي وهذا غلط ولا وجه لكسر الميم من ثم .

وقال صاحب اللوامح : وذلك لالتقاء الساكنين كما كانت الفتحة في العامة كذلك { وقد أفلح اليوم } أي ظفر وفاز ببغيته من طلب العلوّ في أمره وسعى سعيه ، واختلفوا في عدد السحرة اختلافاً مضطرباً جداً فأقل ما قيل أنهم كانوا اثنين وسبعين ساحراً مع كل ساحر عصي وحبال ، وأكثر ما قيل تسعمائة ألف .